كان عمر خورشيد عازفاً للجيتار، وممثلاً، ومؤلفاً موسيقياً، وزوجاً، وإنساناً دمث الخلق… هذا ما كان يعرفه الجميع عنه حتى أختطفه الموت وهو في أوج مجده في حادث مروع هز كيان محبيه لكن هناك جانباً آخر في حياته ظل مجهولاً على الجميع لأنه لم يبح بسره لأحد.
علاقته بالجن
وفي مقال بجريدة الكواكب، قال الكاتب حسن الحفناوي في مقالة بجريدة الكواكب عن هذا السر وهو اتصاله بعالم الجن، وشغفه الشديد بعوالم الأرواح والأشباح والقوى الخفية: «فقد كنا نجلس معاً بالساعات نتحدث عن تلك العوالم الغامضة ونحاول أن نجد لها تفسيراً دونما جدوى».
ويكمل الكاتب كان عمر يضع في مكتبه سجادة للصلاة، ومسبحة، وعدداً من المصاحف يقرأ منها القرآن الكريم حينما يخلو إلى نفسه، كما كان يقتنى عدداً كبيراً من الكتب النادرة عن السحر، والجن والعفاريت، وتحضير الأرواح!
ظهور الجن في حياته
وقال «الحفناوي»: «فى أيامه الأخيرة كان يواظب على الصلاة وقراءة القرآن دون انقطاع، ولا أحد يعرف هل كان يشعر بقرب نهايته؟ أم أنه كان يفعل ذلك بسبب خوفه من ذلك الزائر الغامض الذي اقتحم حياته فجأة وبدون مقدمات!».
وتابع: «في ذات مساء كان عمره وحده في المكتب يراجع عملاً فنياً جديدا، وفجأة انقطع التيار الكهربائي، فأوقد بعض الشموع ووزعها في أرجاء المكتب الضيق ليكمل عمله، لكن تياراً هوائياً غامض المصدر كان يطفئها فيعيد عمر إشعالها.. ولما تكرر الأمر أكثر من مرة ضحك عمر وقال محدثاً نفسه في سخرية: – هو فيه عفريت هنا ولا ؟! .. وحينئذ سمع صوتا عريضا يقول له: – لا يا عمر .. أنا مجرد صديق!».
ومن هول المفاجأة، قفز عمر من فوق المكتب وأنطلق إلى الخارج وهو لا يصدق أنه سمع هذا الصوت، وحاول أن يؤكد لنفسه أنها مجرد تهيئات، ولكن الصراع بين حقيقة ما سمع وما يعتمل في نفسه جعله يتوجس خيفة من ذلك الزائر الذي أتى إليه من أعماق المجهول دون سابق إنذار!
موقف لا يٌصدق
وفى ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي ذهب عمر إلى مكتبه ليجد شيئاً أصابه بالذهول والخوف، فقد وجد أن الشموع ما زالت مشتعلة دون أن تنصهر رغم تأجج النار فوقها، فحاول إطفاءها ولكنها لم تستجب لتيار الهواء المنبعث من فمه، فأحضر قطعة صغيرة من الخشب وراح يضغط بها على الشموع الواحدة تلو الأخرى، فاشتعلت قطعة الخشب في يده بينما ظلت الشموع مشتعلة وكأنها تتحداه، ولم يجد عمر شيئاً يبعث الطمأنينة في نفسه سوى القرآن، فأحضر مصحفاً وراح يقرأ منه سورة «يس» وما هي إلا دقائق معدودة حتى انطفأت الشموع دفعة واحدة.
وهنا شعر بيدين قويتين تضغطان على كتفيه، فراح صوته يعلو شيئاً فشيئاً بآيات الله حتى ابتعد عنه ذلك القادم المجهول!
الاحتفاظ بالسر
ولم يشأ عمر يحكى لأحد ما حدث خشية أن يتهم بالجنون أو الإيمان بالسحر والشعوذة واحتفظ بهذا السر لنفسه، بينما تطورت الحكاية إلى أبعد ما يتصوره العقل، فقد أصبح هناك اتصال مباشر بين عمر خورشيد وذلك الزائر المجهول الذي اتضح أنه «جنى مسلم» يأتي إليه ليحادثه بالساعات، وتوطدت العلاقة بينهما حتى أصبح في مقدور عمر استدعاءه في أي وقت يشاء بمجرد ذكر كلمات ليس لها معنى!
وذهبت إلى عمر في مكتبه لنتفق على عملين من تأليفي أحدهما أوبريت للأطفال، والثاني قصة سينمائية بعنوان «سرقة الرأس الذهبية» وهو عن حادثة وهمية يتم فيها سرقة رأس الملك توت عنخ أمون، وكان عمر سيقوم ببطولته ليخرج به عن أطار الأفلام التي ظهر فيها دائماً كعازف جيتار.
كتابة سيناريو
كما كان سيقوم بوضع موسيقاه التصويرية، ورغم أننا اتفقنا بالفعل على البدء في كتابة سيناريو وحوار الفيلم إلا أنني فوجئت به بعد أيام يقول لي لا تكتب سيناريو هذا الفيلم الآن، وأريدك أن تكتب لي فيلم من نوع العرب على غرار فيلم «انتقام الأرواح» ولتبدأ فوراً في هذا إن لم تكن لديك فكرة جاهزة عليك بإحضار مقالات عن الأرواح والأشباح لتختار منها واحدة تصلح لأن تكون فكرة للفيلم فقلت له، ما الذي يجعلك تفكر في هذا فجأة؟
فقال: أنه لون يجتذب الناس لما فيه من غموض وإثارة وفى نفس الوقت يحقق إيرادات ضخمة، ثم أنني أريد أن يتخصص مكتبي في هذه النوعية من الأفلام.
وبعد مرور أسبوعين من هذا اللقاء ذهبت إلى عمر ومعي فكرة الفيلم المطلوب، وما أن قرأها حتى ارتسمت علامات الفرح على وجهه وتحمس لإنتاجها في فيلم مثير وراح يشرح لي تخيله لموسيقاه التأثيرية – واقترحنا أبطاله، وكيفية استغلال المؤثرات الصوتية والضوئية وتسلسل الأحداث ليظهر العمل متكاملاً.
وقال عمر: هل تعرف لماذا طلبت منك كتابة هذه الفكرة بالذات؟ لا تعتقد أنني أريد إنتاج أفلام إثارة بغرض التشويق فقط، ولكن هناك شيئاً آخر دفعني للتفكير في تقديم هذا اللون… ولأنني أثق فيك فسوف أقول لك الحقيقة ولكن عليك أولاً بعدم إفشاء السر طالما أنا حي على ظهر الأرض!
ووعدت عمر بأني سوف أحتفظ بالسر فحكى لي كل الأحداث التي مر بها، وكيف تعرف بالجنى الذي أصبح صديقاً له، يأتي إليه كثيراً ويحادثه، حتى أنه حضر إليه ذات مرة في وجود سفير إحدى الدول العربية بمكتبه، وحين سمع صوته أصيب بإغماء من هول المفاجأة، وحاول عمر أن يفهمه أن ذلك لم يكن سوى شريط تسجيل، ولكن الرجل لم يقتنع بعد أن شاهد عمر وهو يحادث صوتاً لا جسد له!
وقلت لعمر: وبماذا يفديك هذا الجنى العفريت؟ فقال عمر: أنه يقول لي أشياء خطيرة لا أستطيع قولها!
– فقلت إني أخشى عليك أن يصيبك مكروه. – فقال عمر: وكيف أتخلص منه وقد اختارني بنفسه؟
– فقلت له قل لي شيئاً مما قاله لك – فقال عمر: لقد قال لي أن عمره 1700 سنة ….