تخيل أنك طبيب وأتى إليـك شخص يطلب حاملا معه أدوات الأضحية وطلب منك أن تضحي به لأنه يظن أنه بقرة، ليس هذا فحسب بل وإن لم تلبي طلبه فإنهسيقوم بهذا الأمر بنفسه، هذا ما واجهه ابن سينا فيا ترى كيف تصرف في مواجهة تلك الحالة الغريبة؟ تعالوا لنرى سويا في التالي:
برع أطباء العرب قديما في بحث الاضطرابات النفسية التي تطرأ على العقل البشري، ولم يبرعوا في الوصف فقط، فقد كانت معالجتهم لهذه الاضطرابات تتسم بالبراعة والإبداع.
ومن أشهر علماء الطب المسلمين بالطبع ابن سينا وله قصة طريفة مع واحد من معتلي العقل الذي روي عنه أنه كان يمسك أدوات الأضحية ويقول أنا بقرة، ويطلب من أهله وذويه التضحية به.
ولما لم يستجيبوا لما أراد، فأضرب عن الطعام، حتى هزل جسمه بشده وصار ضعيفا لا يقوى على القيام، فأرسل أهله رسالة إلى ابن سينا يدعونه إلى القدوم ومعالجة قريبهم.
ولما سمع بن سينا بذلك، أرسل إلى المريض من يخبره بأنه قادم ليتم الأضحية بنفسه استجابة لطلبه، ثم أمر بربطه يديه ورجليه، وطرحه على الأرض.
ولما هم ابن سينا عليه، قام بجس عضلاته بشكل دقيق، ثم التفت إلى أهله وقال لهم بصوت جهوري عال: إن هذه البقرة ضعيفة جدا، ويجب تسمينها قبل أي شيء، وهنا أخذ الرجل يأكل بنهم حتى زاد وزنه وسمن، فقوي جسمه وتخلى عن قناعته بأنه بقرة وشفي مما هو فيه تماما.
وابن سينا هو من علماء الطب الذين تعدت شهرتهم الوطن العربي إلى العالم أجمع، فهو أول من كتب الطب بالعالم، واشتهر بالطب والفلسفة معا واشتغل بهما، حتى سمي بالشيخ الرئيس، وأطلق عليه الغرب أمير الأطباء وأبو الطب الحديث، وقد ألف نحو مئتي كتاب معظمهم ركزوا على الفلسفة والطب، وأشهر أعماله كتاب القانون في الطب.
ومن الجدير بالذكر أن أطباء العرب والمسلمين قديما كانوا يعملون أن الآفات العقلية ما هي إلا اضطرابات عضوية، مثل باقي العلل التي قد تعتري أعضاء الجسم.
ولذلك كانت معالجتهم لها بالأدوية المهدئة والراحة المطلقة والرياضة المنشطة والموسيقى والغناء، وكانوا يخصصون للمرضى المهتاجين حجرات خاصة بالمستشفيات تتوفر فيها أسباب الراحة والهدوء والطمأنينة.