مفأجأة من العيار الثقيل ألقتها مصر على الطاولة خلال الساعات الماضية بانسحابها من اتفاقية تجارة الحبوب”، في ظل أزمة طاحنة تضرب دول العالم، وفي الوقت ذاته تعد القاهرة أكبر المستوردين للقمح عالميا، وسبب القرار المصري حيرة الكثيرين، وأبدت الأمم المتحدة اندهاشها.. لماذا اتخذت مصر هذه الخطوة؟
قدمت مصر، إحدى أكبر الدول المستورة للقمح في العالم، إخطارا بأنها ستنسحب اعتبارا من نهاية يونيو المقبل من اتفاقية للحبوب تابعة للأمم المتحدة جرى إبرامها قبل عقود.
ويأتي انسحاب مصر من “اتفاقية تجارة الحبوب” متعددة الجنسيات، التي تعنى بتعزيز شفافية السوق لزيادة التعاون التجاري، في أعقاب فترة من الاضطرابات في أسواق الحبوب والمخاوف المرتبطة بالأمن الغذائي العالمي على خلفية السياسة المالية غير المسؤولة لدول الغرب.
ووقعت مصر على الاتفاقية، التي تمثل المعاهدة الدولية الوحيدة التي تغطي تجارة الحبوب، منذ انطلاقها في العام 1995، وتقدمت في فبراير الماضي بطلب للانسحاب منها اعتبارا من 30 يونيو من العام الجاري.
و أثار إعلان مصر الانسحاب من «اتفاقية تجارة الحبوب» الأممية عدداً من التساؤلات حول أسباب الخطوة، لا سيما أن مصر تعد إحدى أكبر الدول المستورة للقمح في العالم، اعتبر خبراء اقتصاديون، أن «القاهرة رأت الاتفاقية غير ذات جدوى اقتصادية في الوقت الحالي، وأن القرار يحررها من هيمنة الدولار».
كما يأتي القرار بعد بيان خطير صدر عن السفارة الروسية بالقاهرة والذي كشف ما وصف بالمؤامرة على مصر.. وقال إن الأمريكيين والأوروبيين فشلوا في تعطيل إمداد مصر بالقمح الروسي، ورغم كل العوائق التي خلقها الغرب، وحتى على العكس، فقد نمت هذه الإمدادات ويمكن أن تصل إلى 8 ملايين طن في العام الزراعي 2022-2023، ولن يحقق الغرب أهدافه.
وأردفت السفارة الروسية في بيان لها، بأنه في الوقت الذي يتم فيه إرسال الحبوب الأوكرانية بشكل أساسي إلى أوروبا لدفع ثمن الأسلحة المنقولة من هناك إلى نظام كييف لمواصلة الحرب؛ تساعد روسيا أصدقاءها المصريين.
كما اعقب هذا البيان اتصال هاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره عبدالفتاح السيسي، بحثا خلالها صفقة الحبوب وضرورة تنفيذها بشكل شامل.. حسما أفادت كل من الرئاسة المصرية والكرملين.
وجاء في بيان الكرملين: «الرئيس الروسي والرئيس السيسي اتفقا على مواصلة التنسيق لحل الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وناقشا موضوع توريد المنتجات الزراعية الروسية إلى مصر، وتنفيذ المشاريع في مجالات الطاقة والصناعة».
وأضاف الكرملين: «أشار الجانبان إلى التطور التدريجي في العلاقات الودية وذات المنفعة المتبادلة في المجالات التجارية والاقتصادية والإنسانية».
وزارة الخارجية المصرية، بدورها اصدرت بيانا يوضح سبب انسحاب مصر من الاتفاقية.. في بيان نقلته وكالة «رويترز»، وقالت إن «القرار اتخذ بعد تقييم قامت به وزارتا التموين والتجارة، وخلص إلى أن عضوية مصر في المجلس لا تنطوي على قيمة مضافة».
وتأتي الخطوة المصرية عقب فترة من الاضطرابات في أسواق الحبوب على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية، وفي ظل مخاوف مرتبطة بالأمن الغذائي العالمي.
وقال أرنو بيتي، المدير التنفيذي للمجلس الدولي للحبوب، الذي يشرف على «اتفاقية تجارة الحبوب»، «لقد حدث هذا “الانسحاب” دون سابق إشارة، عدة وفود من الدول الأعضاء في المجلس تشعر بالاندهاش والحزن إزاء القرار»، وأضاف أن عدداً من الأعضاء سيطالبون مصر بإعادة النظر في قرارها.
وقال المستشار السابق لوزير التموين المصري والخبير الاقتصادي، الدكتور مدحت نافع، لـ«الشرق الأوسط»، «ما نفهمه مما أعلنته مصر من خلال وزارتي التموين والتجارة أنه لا توجد أي فائدة حقيقة وقعت على مصر طوال فترة انضمامها لهذه الاتفاقية، حيث يبدو أن الاشتراك لم يمنحها أي مزايا إضافية تخص عملية تسهيل حركة التجارة أو غيرها من المزايا، التي تتيحها الاتفاقية باعتبارها اتفاقية تتبع الأمم المتحدة، وبالتالي رأت الدولة المصرية أن استمرارية الوجود يكلفها التزامات مالية تدفع مقابل الاشتراك، الذي يكون بالعملة الدولارية».
وتشير تقارير رسمية من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إلى أن إجمالي واردات مصر من القمح خلال العشرة شهور الأولى من عام 2022، بلغت 3 مليارات و339 مليوناً و438 ألف دولار.
بينما يشير الخبير الاقتصادي والمالي ياسر حسين، إلى أن الانسحاب سيساهم في حرية مصر في شراء الحبوب من مختلف دول العالم بعيداً عن إطار الاتفاقية، مضيفاً: «ستكون أمام مصر الاختيارات الدولية المختلفة من الحبوب، وستتجه للجهة ذات الشروط الأفضل من حيث الأسعار أو الجودة أو طريقة الدفع، ولن يكون الدفع محصوراً بالدفع بالدولار فقط، لكن بعملات البلد البائع، مما يعني عدم وقوع مصر تحت ضغط دولاري، وكذلك توفير الدولار الذي في حوزة مصر».
وفي نفس السياق، استقبل ميناء دمياط في مصر للمرة الثانية خلال هذا العام سفينة SABAEK، محملة بأكبر شحنة من نوعها من القمح الروسي منذ عام 1986.
واستقبل الميناء السفينة التي تعتبر أكبر سفينة ترسو على أرصفة الميناء منذ افتتاحه، عام 1986م، والتي يبلغ طولها 250م، وبعرض 44م، وغاطس 14م، وترفع علم بنما، قادمة من روسيا وعلى متنها شحنة تقدر بحوالي “100 ألف طن”، من القمح، لصالح الهيئة العامة للسلع التموينية، وتعد هذه الشحنة هي أكبر شحنة قمح ترد للميناء منذ افتتاحه.