فرضت الإجراءات المصرية السودانية مؤخرا واقعا جديدا بشأن الحقوق التاريخية لشعبي دولتي المصب في مياه النيل، بينما كانت إثيوبيا تراقب الموقف بعين الحذر.. وقررت إديس أبابا مؤخرا اختراق الصف المصري السوداني بذلك الإجراء.
لم تكد أيام تمضي على إعلان مصر والسودان عن إجراءات ثنائية بشأن الحقوق التاريخية لشعبيهما في مياه النيل ووضع آليات جديدة بشأن التحرك المطلوب حيال سد النهضة الإثيوبي حتى بدأت إثيوبيا التحرك سريعا لمحاولة الوصول إلى حل لما اعتبرته أزمة مستقبلية ستواجهها طال بها الوقت أو قصُر.
للمرة الأولى تقرر كل من مصر والسودان وضع خطط استراتيجية تقوم عليها فرق معنية بقضية المياه من الجانبين بحيث يتم الوصول إلى آليات المراقبة الدقيقة لموارد مياه النيل الأساسية.
أدركت إثيوبيا جيدا أن ثمة قرارات مصدرها دولتي المصب بحيث يتم حسم أزمة سد النهضة بجميع أبعادها بما يضمن للقاهرة والخرطوم عدم تأثر حصتهما من المياه لا على مستوى احتياجات الفرد في كلا الدولتين ولا على مستوى عمليات الري الزراعي.
منبع القلق الإثيوبي بشأن التحرك المصري السوداني حيال قضية المياه مرده إلى وعي أديس أبابا بوحدة التاريخ والهُوية والمصالح المشتركة لمصر والسودان وهو ما بدا واضحا من خلال لقاءات مشتركة على أعلى المستويات.
وقفت إثيوبيا تماما على حقائق جديدة مفادها، أن العلاقات المصرية السوددانية تعدت «المُعلن» إلى توجه استراتيجي جديد لا تقف الأزمات العارضة في البلدين دون إتمام أهدافه مهما كانت التحديات.
التحركات العملية على الأرض من قِبَل دولتي المصب تؤكد أن القاهرة والخرطوم تتجاوز البيانات التالية للقاءات الثنائية بين قيادات البلدين إلى أبعد من ذلك بكثير خصوصا وأن الإدراك المتبادل بين مصر والسودان بشأن مصيرهما المشترك لم يعد مرتبطا بأنظمة حاكمة في البلدين بقدر ما يضع وحدة المصير «أولوية أولى».
حدود السودان وسيادة واستقلال أراضيه قضية تعتبرها مصر ليست موضع نقاش أو مفاوضات وقد أكدت تحركات مصر مرارا وتكرارا أن أمنها القومي يتركز على ضمان أمن واستقرار دول الجوار العربي الشقيق.
تحاول إثيوبيا أن تضمن في إدارة أزمة الحدود بينها وبين السودان، تحاول أن تضمن دورا محايدا للقاهرة وهو ما لن تقبله مصر مهما كانت حيل المراوغة والمخططات التي تُحاك ضد السودان.
في ذات الوقت الذي تتعنت فيه إثيوبيا بشأن قضية سد النهضة تتجاهل أزمة حدودها الشمالية مع السودان وتحديدا منطقة الفشقة التي يعزز الجيش السوداني إجراءات الحماية والمراقبة بشأنها.
لم تعد محاولات الضغط الإثيوبي على السودان تجدي نفعا في ظل موقف مصر الداعم لأن السودان القومي اعتدادا برؤية ركيزتها أن أمن السودان ومصر سواء وأن أي أساليب للمراوغة أو التحايل سيكون الصفر محصلتها النهائية.
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد طار إلى الخرطوم بعد أيام من مباحثات الثمانية وأربعين ساعة التي أجراها وفد مصري رفيع المستوى في الخرطوم مع قادة البلاد بشأن سد النهضة.
أراد آبي أحمد الوقوف بشكل كامل على نتائج المباحثات السودانية المصرية، وفي زيارته إلى العاصمة السودانية التقى رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان. ذلك اللقاء الذي خرج بشأنه بيان مقتضب خلاصته أن توافقا حدث بين الخرطوم وأديس أبابا حول سد النهضة الإثيوبي.
حاول آبي أحمد مجدد الوصول إلى آلية تعاون مع السودان بتقديم عروض يظنها رئيس الوزراء الإثيوبي «مغرية» للسودان وأخذ يتحدث عما وصفه فوائد مرتقبة من سد النهضة للسودان بتوفير الكهرباء!!!!.
لازالت إثيوبيا في حالة تناقض من أمرها، بتقديم أطروحات إلى السودان هي أقرب إلى التصريحات منها إلى ملامسة الواقع، فقد تجاهلت أديس أبابا أن مصر تصدر إلى السودان من الطاقة الكهربائية ما يصل إلى نحو ستمائة وثلاثين جيجاوات في الساعة وفق بيانات عام ألفين وواحد وعشرين.
والسؤال الآن هل يعود المفاوض الإثيوبي يوما إلى صواب التاريخ ووحدة الجغرافيا ويدرك أنه ما من سبيل للتنمية سوى إقرار المنطق والعدل وحق الشعوب كافة في تنمية شاملة دون إضرار بالآخرين؟؟؟ لعل لذلك السؤال إجابة بأروقة دوائر صناعة القرار في أديس أبابا إن وافقت تصريحات قادتها واقع تحركاتهم على الأرض.