لم تترك إثيوبيا لدولتي المصب احتمالا لتفاوض أو بابا لمباحثات سياسية تنتهي إلى إقرار آلية للتنسيق المشترك بين الدول الثلاث بشأن إجراءات ملء سد النهضة حيث كانت تلك خلاصة مطالب القاهرة والخرطوم.. وبعد بدء عمليات الملء الرابع للسد بدأت مصر والسودان اتخاذ إجراءات جديدة.
تباشر مصر والسودان إجراءات نوعية بشأن مراقبة إيرادات نهر النيل والوصول إلى بيانات على أعلى مستويات الدقة بشأن منسوب مياه النهر والكميات المرتقبة مستقبلا من المياه حال إقدام إثيوبيا على أية خطوات باتت كعادتها «أحادية الجانب» من دون أدنى احتمال لتراجع إثيوبيا عن موقفها من تبني تلك التصرفات التي لا تلقى بها اعتبارا لحقوق دولتي المصب.
حرصت مصر والسودان منذ اللحظات الأولى لطرح إثيوبيا مشروع سد النهضة على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم بحيث يتم الاعتراف بحق أديس أبابا في التنمية وإقامة مشروعات لصالح شعبها، على أن يتم رهن ذلك بشرط أساسي مفاده عدم قيام إثيوبيا بأي إجراء منفرد، وإلا تم تفسير ذلك على أنه إجراء أحادي من طرف واحد.
وحدة الموقف المصري السوداني وتمسك الجانبين بالحقوق التاريخية في مياه نهر النيل قوبل بإجراءات إثيوبية على النهر بدأت بالملء الأول والثاني والثالث لسد النهضة دون إعمال القواعد المتعارف عليها في هذا الشأن، ومع مضي إثيوبيا في إجراءات الملء الرابع للسد كان على الدولتين التحرك بأقصى درجات السرعة.
التحرك المصري السوداني جاء عقب تقارير متتالية بشأن مضي إثيوبيا قدما في إجراءات ملء سد النهضة، وهو ما أظهرته صور الأقمار الصناعية وحذر منه خبراء مصريون معنيون بمجال المياه.
هلة الفور أفصحت الدولتان عن تنفيذ مشروع يتضمن إجراءات دقيقة تضمن للقاهرة والخرطوم على السواء التنبؤ بإيراد نهر النيل، وذلك بالتزامن مع أزمة سياسية مرتقبة جراء سد النهضة الإثيوبي.
فصَّلت وزارة الري المصري، الإجراءات المشتركة بين القاهرة والخرطوم في سياق جهود قيادات البلدين للحفاظ على الحقوق المائية لشعبيهما، وعلى الفور توجه وزير الري المصري هاني سويلم إلى السودان في زيارة رسمية مدتها ثمانية وأربعين ساعة وهناك استقبله وزير الري السوداني «ضو البيت عبد الرحمن منصور» .
ترتكز المباحثات الثنائية بشأن نهر النيل بين مصر والسودان على مبدأ أساسي هو الحقوق المشتركة للدولتين اعتداد بأن النهر شريان واحد يربط بين الشعبين، فيما تجدد السودان مطالبها بضرورة «التعاون الصادق مع دول حوض النيل».
عكف الوزيران المصري والسوداني على دراسة مستفيضة لإجراءات التنبؤ بإيرادات النيل، وذلك في مقر الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل بالعاصمة السودانية الخرطوم، وشملت تلك الإجراءات متابعة التقارير الفنية القيمة الخاصة بالنيل وخرائط ومخطوطات تاريخية للبعثات المساحية لأفرع وروافد النهر المختلفة.
ينسق الجانبان أيضا لإنشاء «مركز التنبؤ» ويحتوي المركز على قاعدة بيانات هيدرولوجية موحدة ونموذج للتنبؤ بإيراد نهر النيل.
ولا زالت مصر والسودان يديران أزمة سد النهضة بأقص درجات ضبط النفس، خصوصا وأن للدولتين علاقات طيبة مع دول حوض النيل العشرة بينما تظل تحفظاتهما قائمة بشأن إثيوبيا التي يجددان مرة تلو أخرى مطلبهما لها بحتمية التنسيق المتبادل بين الدول الثلاث بشأن أية مشروعات جارية على نهر النيل.