تعيش ليبيا حالة من السيولة السياسية منذ عام 2011، فما بين انقسام وميليشيات محلية وأجنبية، ومرتزقة من كل الجنسيات وقواعد أجنبية، وحكومات مؤقتة وموازية ومكلفة وشرعية ومنتهية الولاية، عاش الليبين أهوال الانفلات الأمنى والانقسام المستمر حتى الآن، ولكن يبدو أنه توجد فى الأفق نهاية سعيد للقصة التى تسببت فى الكثير من الألم.. فما جديد المشهد الليبى؟
كشفت مراقبون للمشهد الليبي، أن مناقشات تجرى الآن بين بعض الأطراف الليبية بشأن تشكيل حكومة ثالثة، تتولى قيادة المرحلة لحين إجراء الانتخابات، على أن تتنحى حكومتا عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا التي لم تستلم المقرات حتى الآن.
وبحسب الخطة الموضوعة للخروج من الأزمة السياسية، فإن كل الخيارات مفتوحة للخروج من الانسداد الحالي، رغم أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حول تشكيل حكومة جديدة حتى الآن، وإن كان ذلك هو السيناريو الأكثر ترجيحا من قبل العديد من الأطراف.
وتساند العديد من الدول، هذا السيناريو لاسيما في ظل تعقد المشهد وعدم قدرة باشاغا على دخول العاصمة، وتمسك الدبيبة بعدم تسليم السلطة.
ويعد المسار الجديد، الذى أشارت إليه حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، حمل إشارة بشأن سلطة تنفيذية جديدة وتشكيل حكومة ثالثة أحد الخيارات القائمة الآن لمعالجة الانسداد السياسي الذي نجم عن التنازع على الشرعية بين الحكومتين.
وعلى الرغم من صعوبة تنفيذ ذلك المسار على أرض الواقع في ظل تمترس الطرفين، واستناد كلاهما إلى حجج وأسانيد، فأنه يحتاج إلى أكبر قدر من التوافق داخليا وخارجيا، لاسيما مع تدخل عدد من القوى الإقليمية صاحبة المصالح فى الشأن الداخلي الليبي مع تقديم الدعم العسكرى لأحد الأطراف، مقابل اتفاقيات اقتصادية مربحة، ووجود أكثر من 10 قواعد أجنبية بالإضافة إلى عدد كبير من المرتزقة المحليين والأجانب.
كما أنه يوجد تحدى أكبر فى اختيار تولى أحد الأسماء الموجودة على الساحة حاليا الحكومة الجديدة حيث سيزيد الوضع تعقيدا بدرجة أكبر.
وهناك أيضا أزمة التوافق بين مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة الذى تم إنشاؤه وفق اتفاق الصخيرات عام 2015 لتعزيز التعاون والتنسيق فيما بينهم لتوفير أجواء مناسبة لإجراء الستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات العامة والتداول السلمي للسلطة.
وكذلك هناك تحدى أخير، وهو عدم توحيد الجيش الليبى، وانتشار الميليشيات بين الشرق والغرب والجنوب، مما يعيق أى تقدم فسيكون السلاح هو المعامل الأصعب فى تنفيذ خطط المنظومة السياسية.
وفى الأخير يوجد تخوف بشأن التزام الحكومة الثالثة بخارطة الطريق وإجراء الانتخابات، فيجب أن يكون هناك ضمانات قوية حتى لا تكون حكومة الحل المثالى مثل سابقيها، فيزداد الوضع تعقيدًا.
فالحكومات السابقة التى اختبرها المواطن الليبى والتى جاءت بوعود وأحلام كانت نهايتها دائمًا مخيبة للآمال، فحكومة الدبيبة جاءت من أجل إقامة الانتخابات وإنهاء حالة الإنقسام بين الشرق والغرب، ولكنها فشلت فى أهم ملف جاءت من أجل ولم يتم إجراء الانتخابات فى موعدها المحدد سلفا فى 24 ديسمبر الماضى بسبب دعوى وجود قوى قاهرة، والآن لا تريد ترك السلطة ولا تسليم المقرات لحكومة باشاغا المكلفة من مجلس النواب،
فالأزمة الليبية الممتدة منذ عام 2011 ترسخت جذورها وامتدت إلى أعمق مفاصل الدولة الليبية ومكوناتها، مما يجعل حلحلة الأمور وإرجاعها إلى نصابها الطبيعي خطوة ليست بالغة السهولة، فستحتاج إلى وقت كبير بالإضافة إلى رغبة حقيقية من كل أطياف المجتمع لاسيما مع انشار السلاح والآليات العسكرية الثقيلة فى يد المدنيين والتى تم السيطرة عليها بعد انهيار الجيش الليبى فى عام 2011.
حل الحكومة الثالثة التى توحد الشرق والغرب، للإعداد لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية لتستعيد ليبيا أجسامها التشريعية والتنفيذية، هو حل مثالى ولكن ليس على أرض الواقع فى ظل تعقيدات كبيرة قبلية وإقليمية لاسيما مع تشابك المشهد على الأرض بسبب تدخل القوى الأجنبية للسيطرة على الوضع ليبقى كما هو عليه الآن من تشرذم وتفرق، لأن أى توحد ليبي وقرار وطني سيكون من شأنه هدم مصالح الدول المتداخلة فى الشأن الليبي.. فهل تنهى الحكومة الثالثة مشاكل ليبيا المتراكمة؟