وصفتهم اللغة العربية بالرجال الذين حنكتهم التجارب وجعلتهم متبصرين وحكماء، ليتحولوا على مرور السنين إلى أشخاص يتلخص دورهم في الحياة للنشوز عن المسار الطبيعي، فهم فقهاء في كل شيء وأي شيء، حتى وإن كانوا لا يعلمون شيء عن شيء، إنهم فئة المحنكين آفة مجتمعنا الحديث.. ولمزيد من التفاصيل عن تلك الفئة تابعونا.
لم تكن محاولة الفنان المصري حمزة نمرة لكشف لغز كلمة محنك سوى دليلًا على انتشار تلك الكلمة التي عادت للظهور مجددًا منذ ما يقرب من الـ3 أعوام.
حيث شاع استخدام كلمة “محنك” داخل المجتمع المصري مؤخرًا، واستخدمها الكثيرون وخصوصًا الشباب لوصف ذاك الشخص الذي يتبنى وجهة نظر قد لا تتوافق مع الواقع أو الحقيقة. لكنه يقتنع بها تمامًا حتى لو نتج عنها ضرر لأشخاص آخرين.
وطرح حمزة نمرة في العام السابق عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، سؤالًا مفاده: «هو المحنكين كتروا في البلد ولا انا بيتهيألي؟».
لتنهال عليه التعليقات بعدها، بين مدافعين عن حق الأفراد في «الحنيكة»، وبين شرح الأسباب التي أدت لزيادة «المحنكين» في مصر.
وعلى الرغم من كلا الرأيين إلا أن محنكيين زمنا اختلفوا كثيرًا عن محنكين العصور الماضية. فلا أحد يعلم على وجه الخصوص متى ظهرت تلك الكلمة التي أخذ مفهومها في التطوير، حتى تحولت من مجرد وصف لفئة معينة لتصبح آفة تأكل في تلاحم مجتمعنا.
فقديمًا كان يُطلق لفظ محنك على هؤلاء الأشخاص الذين يرتدون تحت العاملة قماشًا يحيط بالحنك (الفم) من أسفل، كما وصفتهم اللغة العربية بأنهم رجال حنكتهم التجارب وجعلتهم متبصرين وحكماء.
وكان لهم مع فارس العرب صلاح الدين الأيوبي، واقعة لم يتنساها التاريخ، ولربما كانت بداية ظهور الوجة الآخر والسيء لتلك الفئة.
فمع نهاية حكم الفاطميين وتولى صلاح الدين الأيوبي حكم مصر، سرعان ما بدأ جوهر المعروف بمؤتمن الخلافة وهو من الأساتذة المحنكين حينها المتواجدين فى البلاط الفاطمي، بالتأمر مع الصليبيين للتخلص منه طمعاً في تولى منصب الوزارة بدلاً منه.
لكن سرعان ما اكتشف صلاح الدين المؤامرة وخطط للتخلص من مؤتمن الخليفة بتسريب خبر كشفه لتلك المؤامرة ومع معرفة مؤتمن ذلك هرب إلى مزرعة له في أطراف القاهرة.
فـأرسل صلاح الدين رجاله إليه وتخلصوا منه ثم عزل جميع الخدم الموالين له وعين بهاء الدين قراقوش بدلًا منه.
وفور تلك الواقعة، قرر أعداء صلاح الدين التخلص منه لسبب مباشر وهو الثأر لمؤتمن الخلافة، لكن السبب غير المباشر كان ضياع نفوذهم ومصالحهم مع تولى صلاح الدين للوزارة.
فقرروا محاصرته في قصره في معركة من أشد المعارك الأهلية حينها حيث كانوا يرمون صلاح الدين وجنوده بالسهام والحجارة، لكنها انتهت بهزيمتهم وطردهم من مصر.
وحينها قرر أمير المؤمنون العاضد بالله، طرد تلك الجماعات من مصر، فطاردهم صلاح الدين وشقيقه شمس الدين حتى هرب معظمهم ولم يتبقى منهم إلا القليل المشرد.
إلا أن معاناة صلاح الدين مع المحنكين وصراعاتهم ضده، تختلف كثيرًا مع تلك الصراعات التي أصبحنا نشهدها اليوم ضد تلك الفئة.
فقد اختلفت صفات محنكين العصر الحديث الشكلية والثقافية أيضًا. فمحنك العصر الحديث هو ذاك الشخص الذي يرى في كل حدث جلل موضع لفرض وجهة نظره، دون مراعاة ما إن كانت وجهة النظر تلك تناسب الموقف أو لا، فهم يغردون في سرب وحدهم يناسب دوافعهم الشخصية فقط.
ولأن أخطر الأشياء على الإنسان هو الإنسان نفسه، باتت فئة المحنكين من أخطر الفئات التي ستدفعها فلسفتها الخانقة إلى تدمير الكثير من الثوابت وتشتيت الرأي العام، وانهيار الترابط المجتمعي ذاته.
فلن تخلو أي قضية أو أزمة من المحنكين وأرائهم المغردة عكس التيار الطبيعي، فتأخذنا لمسار آخر، في الغالب لاعلاقة له بالحقيقة.
فلابد وأن أحدنا تعرض لهؤلاء المحنكين في حياته، فأروي لنا كيف تعاملت معه أو الموقف الذي جمعكما.