بلا شك المتابع للأحداث الروسية الأوكرانية، فإن فاجنر وقائدها هما كلمة السر خلال الساعات الماضية، أحداث متسارعة تجري تزيد الأمور غموضا، فلا أحد يعلم مكان قائد فاجنر، مع تصريحات للرئيس البيلاروسي أنه في بطرسبرج بروسيا، في الوقت ذاته الذي يجرى الأمن الروسي مداهمات واسعة لمقرات فاجنر ومنزل قائدها، فأين بريجوجين؟، فهل عادت فاجنر إلى الحضن الروسي؟
لعبة الغميضة
ما زال الغموض يلف مسألة وجود مجموعة فاجنر في بيلاروسيا، خصوصا بعد تصريح رئيسها ألكسندر لوكاشينكو، إن قائد فاجنر، وعناصره ليسوا في بلاده، ما أربك قادة الناتو ومخابراته، كأنه يلعب الغميضة فلا يكاد الحديث عن مكان تواجده في مكان ما حتى يتم النفي.
تفاصيل بداية الأزمة
وكان الرئيس البيلاروسي تدخل في الأزمة الأخيرة بين فاجنر والسلطات الروسية بالوساطة، بعد أن تمردت عناصر المجموعة على القيادات في موسكو في يونيو الماضي، وإعلان قائدها بشكل مفاجئ دخول قواته الأراضي الروسية وتوجههم نحو العاصمة موسكو، بل واقتربوا من العاصمة لمسافة 200 كيلو متر بهدف تغيير القيادات العسكرية وامتد الأمر إلى الرئيس فلاديمير بوتين، قبل أن تتراجع بعد ما يقارب الـ 24 ساعة مع دخول رئيس بيلاروسيا على خط الوساطة بين بريجوجين وموسكو، لتنتهي تلك المغامرة المفاجئة والقصيرة بـ”نفي” قائد فاجنر إلى الأراضي البيلاروسية.
فيما خيّر الرئيس الروسي، عناصر فاجنر إما بالخروج إلى بيلاروسيا، أو الانضمام للجيش الروسي، أو العودة إلى بيوتهم.
مينسك تفاجئ العالم
ووفرت “مينسك”، معسكر ضخم لقوات فاجنر، بُني أخيرا في وسط بيلاروسيا لعناصر فاجنر، إلا أن المفاجأة التي أصابت الجميع بالذهول وهي أن فاجنر لم تغادر روسيا أو معسكراتها المعروفة، فقال ليونيد كاسينسكي مساعد وزير الدفاع البيلاروسي للصحفيين الذين تلقوا دعوة نادرة للبلد القوي: “إذا كنتم تبحثون عنهم فلن تجدوهم هنا، مؤكدًا أن القرار النهائي بشأن مكان تمركزهم يعود إلى فاجنر وقادته.
تحركات مزعجة لفاجنر
وكانت صحيفة نيويورك تايمز، قد حللت الصور القادمة من الأقمار الصناعية، والتي بينت أنه تم نصب مئات الخيام الكبيرة في قاعدة عسكرية غير مستخدمة في بيلاروسيا في الأيام الخمسة الماضية، استعدادًا لاستقبال عناصر فاجنر.
وكشف تحليل الصور أن التعزيزات يمكن أن تلائم احتياجات الآلاف من عناصر فاجنر ، لكن الصور تظهر أيضًا أن هناك نشاطًا ضئيلًا مما يشير إلى أن القوات لم تصل بعد.
تدعيم الحدود مع بيلاروسيا
ويبدو أن تحركات فاجنر على الورق، أزعجت دول الجوار لبيلاروسيا والتي سارعت عل الفور لتدعيم حدودها خوفا من أي مفاجأة قد تحدث مع انتقال فاجنر إلى “بيلاروسيا”، حيث سيصبح الآلاف من عناصر القوات الخاصة المحترفة في فاجنر على بعد ساعات قليلة من العواصم الأوروبية، فعلى الفور.
أكد وزير دفاع بولندا نقل أكثر من 1000 جندي إلى الحدود الشرقية مع بيلاروسيا، لينضمون إلى 5 آلاف فرد من قوات حرس الحدود، وألفي جندي يحرسون أمن الحدود مع بيلاروسيا.
فيما أمر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجيش الأوكراني بتعزيز الحدود مع بيلاروسيا بعد انتقال عناصر مجموعة فاجنر العسكرية روسية إليها.
6 ساعات إلى كييف
وجاءت تعليمات “زيلينسكي”، بتأمين الحدود خوفا من أي خطوة مفاجئة من قبل فاجنر، لاسيما أنها بذلك ستصبح على بعد 6 ساعات فقط من كييف.
اختفاء قائد فاجنر
ومع كل هذه الخطوات، سيطر الغموض خلال الساعات الماضية على مكان تواجد قائد فاجنر يفجيني بريجوجين، لاسيما بعد تصريحات الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي قال إن بريجوجين غير موجود في بيلاروسيا إنما في سان بطرسبرج.
في الوقت ذاته، التزم بريجوجين نفسه الصمت بطريقة غير معهودة، خلال الأسبوعين الماضيين، ولم يطلق أي منشورات عبر قناته على تليجرام منذ 26 يونيو عندما دافع عن التمرد.
الغريب أن الرئيس البيلاروسي أعلن عن تواجد زعيم فاجنر في سان بطرسبورج، في الوقت ذاته، الذي شنت فيه أجهزة الأمن الروسية مداهمات على منزل رئيس المجموعة العسكرية الخاصة في سان بطرسبورج، وكشفت عن صور أثارت ضجة في وسائل التواصل الاجتماعي.
مغارة على بابا بمنزل قائد فاجنر
فقد أظهرت الصور التي أفرجت عنها قوات الأمن للإعلام من منزل قائد فاجنر، عن خزانة مليئة بالشعر المستعار بألوان وأشكال مختلفة إلى جانب عشرات الملايين من الدولارات وسبائك الذهب وجوازات سفر مختلفة وأدوات عسكرية وذخائر.
ولكن الصور الأكثر جدلًا، هي صور لبريجوجين وهو يرتدي شعرا مستعارا في عدة مناسبات، وملابس عسكرية خاصة بجيوش بعض الدول سواء في ليبيا أو سوريا وغيرها من الدول، يزعم أنها أخذت من ألبومه الشخصي على مكتبه الخاص.
وتسببت هذه الصور في إثارة تكهنات ضخمة حول عمل قائد فاجنر في الخفاء، والتدخل في بعض دول العالم لمصلحته الخاصة بعيدا عن السيطرة الروسية، حيث يخرج متخفيا ويعود متخفيا دون أن يعلم أحد عن تحركاته شيئًا.
كشف مصير مجموعات فاجنر
في محاولة لتتبع أثر فاجنر، كشفت تقارير صحفية على لسان قائد إحدى مجموعات فاجنر، حيث أكد أنطون يليزاروف، وهو قائد في فاجنر يشتهر باسم لوتس، أن عناصر المجموعة في عطلة حتى أوائل أغسطس بناء على أوامر بريجوجين قبل الانتقال إلى بيلاروسيا، تنفيذاً لبنود اتفاق أنهى تمرد المجموعة في يونيو الماضي.
ولفت إلى أن الانتقال إلى بيلاروسيا يحتاج العديد من المهام اللوجستية، من حيث إعداد القواعد وساحات التدريب، والتنسيق مع الحكومات والإدارات المحلية، وتنظيم التفاعل مع وكالات إنفاذ القانون في روسيا البيضاء، وإنشاء خدمات الإمداد والتموين.
رسالة مبطنة إلى فاجنر
وفي رسالة مبطنة مع أول ظهور علني له وسط قواته منذ تمرد قوات فاجنر العسكرية الخاصة، ظهر وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو وهو يتفقد عناصره ويشرف على تدريب وحدات تشكلت حديثا، مؤلفة من جنود متعاقدين بعد أن كانت فاجنر رفضت التعاقد مع الجيش الروسي.
حيث نشرت وزارة الدفاع الروسية مقطع فيديو، ظهر فيه وزير الدفاع الروسي، شويجو مرتديا الزي العسكري وهو يتفقد الجنود في ميدان للرماية، مع تليق أن الوزير أشرف بنفسه على تدريب جنود متعاقدين على عمليات عسكرية في مختلف الظروف، بما في ذلك المواجهات العسكرية في المناطق الحضرية.
كييف تلجأ إلى ورقتها الرابحة
ومع كل هذه التحركات الغامضة، لجأت أوكرانيا إلى كارتها الرابح في معمل آزوفستال بمدينة ماريوبول، بعودة خمسة قادة من الكتيبة الأوكرانية “آزوف”، والذين كانوا ابعدوا عن أوكرانيا وأجبروا على العيش في تركيا بموجب شروط تبادل للأسرى في العام الماضي.
جاء هذا بعدما عُقدت محادثات بين أردوغان وزيلينسكي في إسطنبول، واستمرت لحوالي الساعتين والنصف.
غضب روسي من أنقرة
ما أغضب الجانب الروسي، حيث أعلن الكرملين، أن عودة عناصر آزوف من تركيا إلى أوكرانيا، يعد خرقا لبنود الاتفاقيات القائمة.
وأكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أنه وفقا لبنود الاتفاقيات، كان من المفترض بقاء قادة جماعة “آزوف” في تركيا حتى نهاية المواجهات العسكرية في أوكرانيا.. فمع كل هذه التحركات الغامضة من فاجنر، والمجموعات العسكرية الجديدة من المتعاقدين مع الجيش الروسي، ولجوء أوكرانيا إلى كتيبة “آزوف” فهل تشهد الأيام القادم أحداثا أكثر قسوة؟