هربوا من الهِزَات الارتدادية فأصبحوا رهن حصار برد لن تقل وطأته على أجسامهم المرتعدة عن وطأة الزلزال الذي أدخل مدنا بأكملها في عداد التاريخ.. فكيف قضى النازحون في الشمال السوري ليلتهم الأولى عقب الزلزال الذي طالت تداعياته ما تبقى من أخضرهم ويابسهم؟
اثنا عشر ساعة كاملة في جُنح ظلام دامس غطى الأسر النازحة في الشمال السوري، وسط مشاعر تباينت بين حرص على حياة تأكد أنها «مؤقتة» وقلق من أيام صعبة جرَّاء الهزات الارتدادية المرتقبة للزلزال العنيف.. وبين هذه وتلك بصيص أمل في وصول المساعدات التي يُخشى أن تتحول إلى وعود انطلقت على ألسنة كبار القادة حول العالم.
هكذا بدا حال الأسر والعائلات النازحة في منطقة «سرمدا» شمال إدلب في أصعب ليلة قضوها أعقاب الزلزال الذي استنفد جميع أرصدتهم من الطمأنينة والأمل في الحياة.. نظرة عابرة إلى تلك الحشود البشرية تلخص المشهد الأصعب في تاريخ السوريين بل ربما يعادل ما طالهم من الفوضى والمواجهات الداخلية طيلة السنوات الماضية كافة.
لم يجد الأهالي النازحين سوى السيارات ملجأ لهم لعلها تأويهم من برد الشتاء القارس أمام بناياتهم التي سواها الزلزال وتبعاته بالأرض.. نظرة تأمل من طفل داخل سيارة ينظر إلى لعبته المدكوكة تحت الركام وشيخ مسن يحمل صغاره هربا إلى الشوارع إن كان في تلك الأحداث مهرب له.. لكن كل همه أن ينجو بهؤلاء الصغار الذين لا حول لهم ولا قوة سوى ذراع الوالد يحملهم عليه!!.
حتى أصحاب المنازل القائمة التي لم يدكها الزلزال في سوريا بدت عليهم علامات القلق ومنعهم من العودة إلى سكناهم.. ومن يدري: لعل توابع للزلزال أو هزات ارتدادية أشد منه قوة تنهي حياة من تبقى منهم على قيد الحياة.
ليلة كاملة لم يذق النازحون في الشمال السوري فيها للنوم طعما ولم يعرفوا معنى للطمأنينة .. بعد أن استهدفتهم عاصفة مطرية شديدة الأثر.. وأمام مذياع السيارات التي اتخذوها مأوى حتى تعود الأوضاع إلى هدوئها تأتي الأخبار تَتْرى.
«الحكومة تعلن ارتفاع حصيلة ضحايا الزلزال في شمال غربي سوريا إلى أكثر من سبعمائة راحل وأكثر من ألفي مصاب».. كانت تلك صياغة الخبر الواردة في مذياع السيارة والتي بدت صياغتها مكررة بين ساعة وأخرى لكن زيادة أرقام الراحلين كانت المتغير الوحيد في تلك الأخبار، ما يوحي بأن الأرقام مرشحة للزيادة.
تتزاحم الأسر كل يتحصل على ما وصلته يده من الأغطية والفرش والملابس لعله يحمي صغاره من شدة البرد القارس.. وتتوالى الأنباء عليهم بشأن ستمائة وستين منزلا تضررت من الزلزال بينها مائتي وعشرة منازل إلى أطلال.
بعض العائلات نجح في الوصول إلى أقرباء لهم في غير المناطق المتضررة يأوونهم حتى حين.. وظل الآلاف من السيدات والصغار عالقين تحت الأنقاض بينما يراود ذويهم الأملُ في إمكانية انقاذهم.
توالت الدعوات من الجهات الرسمية ومن منظمات المجتمع المدني بحتمية تعجيل وصول المساعدات في سياق جهود الإغاثة الدولية للمناطق المتضررة من الزلزال .. لعل العالم يوحد الجهود لإنقاذ من تبقى حيا في تلك المواقع.