تربع هناك بجبال الأطلس الكبير بقلب عاصمتهم الأولى، ظل تسعمائة عام من الزمان لغزا محيرا، الطريق الغامض المهيب هو الممر الوحيد إليه، هذا الطوب اللبن لم تقوى السيول الجارفة المتتابعة، على مدار مئات السنين أن تحدث فيه أثرا فتحول
إلى بناء هندسي عجيب.
هناك في محرابه التاريخي طالما وقف الأئمة يطلبون من الله مرادهم. ومن خلفهم ردد المصلون التأمين على الدعاء
فماذا فعل زلزال المغرب بذلك الكنز المهيب؟
لقد فعل الزلزال في هذا المسجد ما لم يجرؤ مناوئو الدين على فعله، فبيت الله الذي طالما شهدت أروقته و جدرانه على صلوات المصلين ودعاء المبتهلين بدا أطلالا دكها الزلزال كما لو كان بناء عاديا وسط ذلك الوادي.
لماذا تأثر الإعلاميون
لم يعد للمسجد سقف وقد سوى الزلزل سقفه تماما بالأرض، أما المئذنة العتيقة فتحولت بالكامل إلى ركام أبكت الناظرين
إليها والمارة والإعلاميين الذين ساقتهم أقدارهم إلى تغطية أصعب مأساة عاشها ذلك البلد الذي فقد ما يربو عن ألفي شخص من أبنائه تحت الركام، وأصبحت قرى بأكملها في سجلات النسيان، بينما تعرض أكثر من ألفين آخرين إلى أضرار صحية بالغة.
لماذا تباعدوا عن أطلاله
هناك من قلب الوادي ينظر المارة إلى أطلال المسجد يحاولون أن يتمالكوا أنفسهم من البكاء دونما جدوى وتحار خطاهم بجوار أطلال البناء العتيق ، فيترددون كثيرا قبل الوقوف بأقدامهم على أطلال المسجد وركامه، فلعل في هذه البقعة مصحف لم يراعي الركام حرمته، ولعل تحت الركام كتابا يشرح تفسيرا للقرآن الكريم أو مسبحة خشع ممسكها بذكر الله.
عاصمة دولة الموحدين
وأشد المشاعر وطأة على النفس تلك التي تعيد فتح سجلات التاريخ حيث يعود بناء ذلك المسجد العتيق إلى القرن الثاني عشر وقد أقامته دولة الموحدين في المغرب وكان بالنسبة لتلك الدولة واحدا من أهم كنوزها ومعالمها الحضارية الفريدة ..
الوادي الذي أسس فيه المسجد كان عاصمة للدولة الموحدية أو بالأحرى العاصمة الأولى لتلك الدولة قبل أن تحكم سيطرتها على مراكش وتعين قائدها خليفة.
وقائع يوثقها التاريخ
ظل المسجد شاهدا على امبراطورية الموحدين ومؤسسها المهدي بن تومرت ، وتواصل معه سكان تينمل وقد علم المهدي أن الوصول إليها هو المستحيل بذاته لوجود موانع جغرافية صعبة بينما كان في مواجهة عسكرية دائمة مع المرابطين .
وادي النفيس كان ذلك الواد الممر الوحيد لبلوغ تينمل وكان يحوي مياها صافية جراء السيول لكن التجار اتخذوه طريقا في الصيف.
وأسماه الرحالة الطريق الوعر لصعوبة المرور فيه وحينما طاب المقام لابن تومرت أحد مؤسسي دولة الموحدين بدأ تكوينها باختيار خمسين خبيرا بشؤون الحكم أسماهم مجلس الخمسين.
المنظمات الدولية تتحرك
منظمة اليونسكو تأهبت بعد زلزال المغرب لمحاولة الوقوف على تداعيات الزلزال على المواقع الحضارية والتاريخية داخل المغرب ومن بينها مسجد تينمل المدرج ضمن قوائم المنظمة العالمية باعتباره من قوائم التراث.. وتقرر إيفاد فرق دولية معنية لحصر الأضرار فيما تعالت مطالب المغاربة رغم ما هم فيه من المعاناة إلى ضرورة الإسراع في ترميم ذلك المسجد.