كان “استعراض” قارون على قومه بداية ما أصابه من لعنات، وقارون هو رجل من قوم موسى عليه السلام أتاه الله السلطة والمال لكنه بغى بها وتكبر وتجبر، وحكى القرآن الكريم قصته في سورة القصص في الآيات (76 : 83) ومن الغريب أن التاريخ يخبرنا أن قارون لم يكن من الكافرين بل إنه كان من أتباع موسى، وقيل إنه كان ابن عم موسى حسبما روي عن ابن عباس وغيره في البداية والنهاية، وكان مشتهرًا بحسن صوته في تلاوة التوراة حتى كان يسمى “المنور”، لكنه في النهاية نافق كما نافق السامري وأهلكه البغي لكثرة ماله.
بلغت أموال قارون وكنوزه أن مفاتيح خزائنه كان يعجز عن حملها عصبة من الرجال الشداد، وقيل: إنها كانت من الجلود، وإنها كانت تحمل على ستين بغلا، وكان قارون قد أطال ثوبه حتى يتميز به على قومه فزاد فيه شبرًا.
وحين خرج قارون في زينته على قومه اختلفت نظرتهم له، فانقسموا إلى فريقين، فريق يحسده على ما لديه من مال ويتمنى أن يكون مثله، وفريق آخر يؤكد أن ما أعطى الله للمتقين خير وأبقى، وقال تعالى مصورًا ذلك المشهد: “فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ”.
نصح الصالحون قارون بألا يتكبر ويتباهى بما لديه من مال، ولا يتفاخر بكنوزه وأملاكه لأن الله لا يحب المتفاخرين، لكن قارون رفض هذه النصيحة حيث رأى أن ما لديه يستحقه بعلمه فقال :” إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ” متخيلًا أنه لا يحتاج ما نصحوه به وإنما أعطاه الله ما أعطاه لأنه يعلم أنه أهل له ويستحقه، ولأنه يحبه، وكان رد الله تعالى عليه هو: “أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ”، يقول ابن كثير أي أن الله قد أهلك قبله من الأمم الماضين بذنوبهم وخطاياهم، من هو أشد من قارون قوة وأكثر أموالا وأولادا، فلو كان ما قال صحيحًا لم نعاقب أحدًا ممن كان أكثر مالًا منه، ولم يكن ماله دليلًا على محبتنا له واعتنائنا به.
ويروى ابن كثير في البداية والنهاية أن قارون كان حاقدًا على موسى، وانه قابله ذات يوم فقال له: فقال: يا موسى أما لئن كنت فضِّلت عليَّ بالنبوة، فلقد فضلت عليك بالمال، ولئن شئت لتخرجن فلتدعون علي، ولأدعون عليك.
فخرج وخرج قارون في قومه، فقال له موسى: تدعو أو أدعوا؟
قال: أدعو أنا، فدعا قارون فلم يجب في موسى.
فقال موسى: أدعو؟
قال: نعم.
فقال موسى: اللهم مر الأرض فلتطغى اليوم، فأوحى الله إليه إني قد فعلت، فقال موسى: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أقدامهم، ثم قال: خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، ثم إلى مناكبهم، ثم قال: أقبلي بكنوزهم وأموالهم، فأقبلت بها حتى نظروا إليها، ثم أشار موسى بيده فقال: اذهبوا بني لاوى فاستوت بهم الأرض.
وقيل أن كل يوم يخسف بهم إلى يوم القيامة، وروي عن ابن عباس أيضًا أنهم قد خسف بهم إلى الأرض السابعة.
هل سبب ثراء قارون الكيمياء أم علمه باسم الله الأعظم؟
ينفي ابن كثير في البداية والنهاية ذلك قائلًا أنه لم يكن عالمًا بالكيمياء ولا حتى باسم الله الأعظم، فيستحيل أن يعرف كافر باسم الله الأعظم ويدعو به ويستجيب الله له، فدعااء الكافر لا يصعد إلى الله، فيقول: أما من زعم أن المراد من ذلك أنه كان يعرف صنعة الكيمياء، أو أنه كان يحفظ الاسم الأعظم، فاستعمله في جمع الأموال، فليس بصحيح، لأن الكيمياء تخييل وصبغة، لا تحيل الحقائق، ولا تشابه صنعة الخالق، والاسم الأعظم لا يصعد الدعاء به من كافر به، وقارون كان كافرًا في الباطن، منافقًا في الظاهر.