عرفت الملكة زفيرة بجمالها الأخاذ وحسها الابداعي والراقي ، فهي أول من ابتكرت البدرون وسروال الشلقى الجزائري الذي تلبسه النسوة حتى الآن.
تُعتبر الملكة “زفيرة” من نسوة الجزائر اللاتي لا يزال ذكرهن مستمراً على مرّ التاريخ، وتحولت إلى شخصية رمزية تتناقل سيرتها الأجيال دون أن تعرف الكثير عنها، فمن هي آخر ملكات الجزائر؟ ..وماهي قصتها؟.. وكيف عاشت داخل قصر “عزيزة”؟ ورواية التاريخ عنها وعن مواقفها ضد الاستعمار؟
تذّكر المصادر التاريخية أنّ زفيرة ولدت سنة 1489، وهي زوجة السلطان سليم التومي آخر حاكم للجزائر قبل بداية الحكم العثماني لها، حيث ارتبطت به مطلع القرن الـ 16، وأنجبا ابناً يُدعى يحيى بن سليم التومي.
لم تكن زفيرة مجرد امرأة تتسم بالجمال فقط وإنما امتلكت حساً إبداعياً وذوقاً راقياً، إذ اشتهرت بعشقها للخياطة والتصميم، فكانت أوّل من ابتكرت وصممّت زي “البدرون” وسروال “الشلقى” العاصمي، وهما لباسان تقليديان لا تزال نسوة الجزائر يرتدينه في الأعراس والأفراح والمناسبات. وقد صُنف “البدرون” الجزائري كتراث عالمي في منظمة اليونسكو.
وعايشت زفيرة عدة أحداث وتحولات كبرى في تاريخ المدينة والجزائر ككل التي كانت محل أطماع دول من حوض البحر الأبيض المتوسط، منها الغزو الإسباني، والذي على إثره عقد السلطان سليم التومي تحالفاً مع الأخوان البحارة بربروس عروج وخير الدين، اللذين قدما إلى الجزائر لإغاثة سكانها وتحريرها من الاحتلال الإسباني.
وتشير المراجع التاريخية إلى أنّ الأخوان بربروس طمعا في الجزائر وقاما بالاستيلاء عليها، في حين توفي الملك سليم التومي في ظروف غامضة، وتم توجيه أصابع الاتهام للقرصان عروج بربروس.
في حين تذهب روايات أخرى للتأكيد أنّ التخلص من السلطان سليم التومي، جاء بعدما سعى للتحالف مع الإسبان بعد قدوم العثمانيين.
وكانت حادثة وفاة السلطان سليم التومي، ذات وقع بالغ على زفيرة التي عزلت نفسها في قصر “عزيزة” حزناً على رحيل زوجها، في حين وصل إلى مسامع بربروس أن جمال الملكة أخاذ وهو ما اكتشفه بنفسه إحدى المرات عندما صعد إلى القصر ولمحتها عينه من بعيد.
فقرّر أن يراسلها للتعبير عن إعجابه بها قائلا: “زفيرة الجميلة، صورة الشمس، أجمل بصفاتك النادرة من الإشراق الذي يحيط بشخصك، أسعد غزاة العالم سأكون ، الذي أخضع الجميع لا يخضع إلا لك ويصبح عبدك”. كما جاء على عهدة القنصل الفرنسي السابق في الجزائر لوجي دو تاسي.
وزفيرة التي كانت تكره عروج وتشكّ بأنه أنهى حياة زوجها ردت عليه قائلة “مولاي، استوليت على مدينتي بالقوة وأتمنى أن تنسى هذا العشق المستحيل”، ويبدو أن هذا الكلام لم يعجب عروج الذي طلب يدها للزواج مقابل أن يتولى ابنها الحكم.
لكنها رفضت ذلك على اعتبار أن هذا حقاً غير مشروط لابنها، فغضب عروج وقال إنّه سيتزوجها غصبا عنها، وفي تلك الليلة قامت زفيرة بوضع حد لحياتها ، حتى لا تعيش تحت ظل حكم عروج .
وبعد وفاتها حاول ابنها سالم استرجاع ملك أبيه، وذلك عبر الطريقة نفسها، أي عن طريق التحالف مع الإسبان الذين كانوا يحتلون مدينة وهران غرب الجزائر، لكن عروج هزمهم، وأنهى حياة ابن زفيرة .
ونظرا للرمزية التاريخية لزفيرة، تم إنتاج فيلم عن شخصيتها عام 2021 من إخراج الجزائري الفرنسي داميان أونوري، وإنتاج عديلة بن ديمراد باسم (أخر ملكة).