ماذا سيحدث لك عندما يأتي إلي منزلك الكائن بإحدي القري الريفية شخص ليخبرك أنك مدعو غدا لزيارة قصر عابدين للاستمتاع بحقك فيه وشرب كوب من الشاي وأنت جالس على عرش الملك فاروق لأنك فرد من أفراد الشعب وهذا القصر أنت أحد ملاكه.. بالطبع لن تصدق ما يقال لكن ولكن هذا كله حدث بالفعل مع الفلاح المصري سليم وابنه محمد وزوجتة.
إبريل 1953، في ذلكَ التاريخ كانَ موعد «سليم» وزوجتهُ لبدء رحلة داخل زوايا قصر عابدين، فجاء سليم بجلبابُه الريفي، وبصُحبة زوجته وطفلهما الرضيع، محمد، من الريف إلى القاهرة للقيام بجولة داخل القصر الملكي، الجولة التى اتسمت بطابع الإنبهار من رجلٌ قادم من أعماق الريف، لم يعرف الصالون والسجاد والأنتيكات، ليدخُل فجأة إلى قصر يضُم 500 قاعة وغُرفة.
بدأت الحكاية من مارس 1953، عندّما اقترح الكاتب والصحفي آنذاك بمجلة «آخر ساعة»، أنيس منصور، فكرة مُبتكرة لتنفيذ الإحتفال الأول بثورة يوليو 1952، وذلك بفتح قصر عابدين للشعب، على أساس أنّهُ رمزًا للحُكم الملكي في مصر. وعندّما عُرضت الفكرة على رئيس التحرير آنذاك، محمد حسنين هيكل، وافقَ على الفور، وتم جلب فلاح مصري وزوجته -على اعتبار أنهُما من جذور الشعب- لزيارة قصر عابدين.
وعن كواليس التحضيرات للزيارة، يحكي الكاتب، أنيس منصور، أنهُ تمكن من الحصول على التراخيص اللازمة، وذهبَ إلى قرية «الحوتية»، المهندسين الآن، لإختيار من سيقوم بالزيارة، وبالفعل تمَكن أنّ يصل إلى فلاح نموذجيّ، وهو محمد سليم عبد الله، وزوجته وطفلهُما محمد الذي يبلُغ من العُمر 3 سنوات.
ويقول الكاتب، أنيس منصور، عن قصة زيارة «سليم» وزوجته لقصر عابدين، في مقال نُشر في جريدة «المصري اليوم»، بتاريخ 28 يونيو 2014: «وفى صباح يوم الخميس ٩ إبريل ١٩٥٣ دلف من باب القصر الملكى الوفد الذى يضم سليم وزوجته وطفلهما الصغير والمصور الراحل حسن دياب وأنا. وكما ذكر لى المسؤولون عن القصر فقد كنت أول صحفى يدخل هذا القصر الذى يضم ٥٠٠ قاعة وغرفة»، ويُضيف: «وأشهد أننى سرت فى ممر طويل تتدلى على جانبيه من السقف إلى الأرض ما لا يقل عن ثلاثين تحفة جوبلان كانت تغطي جانبي الممر، وفيما بعد لا أذكر أنه ظهر لهذه التحف أثر».
كمّا شهدَت الزيارة واقعتان طريفتان، سجلّهما قلم أنيس منصور؛ فكانت الأولى هى قيام «سليم» بخلع حذاء كبير كان أقرب إلى «البووت» كان يلبسه وقد ظل ممسكا بفردتي حذائه، والواقعة الثانية كانت عندما ألحت الحاجة على الطفل «محمد» قرب حمام الملك. وقد دخل الحمام مع أمه، ولكن الطفل لم يتمكن من إتمام حاجته عندما أجلسته أمه مكان الملك. وأمام إلحاح الحاجة «عملها محمد على الأرض» كما تعود، تاركًا للموظفين إزالة ما بقى من آثار.
وبعد عدة ساعات، انتهت جولة «سليم» وزوجته التاريخية داخل القصر، والتقط المصوّر، حسن دياب، صورًا لهُما، كانت أهمها الصورة التي احتلت صدر الصفحة الأولى من مجلة «آخر ساعة»، حيثُ ظهر فيها «سليم» وزوجته وهما يجلسان على كرسيي العرش، وبينهما طفلهما الصغير، بينّما ظهر عنوان أعلى الصورة: «الشعب يجلس على العرش».
وفي الختام هل تعتقد أن ذلك المشهد كام ملائما لهذه الفترة من الزمن وماذا كان سيفعل الملك فاروق بسليم وزوجتة وابنه لو عاد مجدداً لحكم مصر.. عموماً حمدلله أن ذلك لم يحدث.