منذ تولي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رئاسة مصر وهو يعلم جيدًا أن الحل لنشر سياسات القاهرة الجديدة ونشر حلم الوحدة العربية، يكمن في قوتها الناعمة، وهو ما أكدته تلك الرسالة التي حملها من المغرب للفنان المصري إسماعيل ياسين، وكانت السبب في تغيير قوانين وسياسات مصر، فما قصة تلك الرسالة وما فحواها، هذا ما سنرويه في التالي:
بعد قيام ثورة 23 يوليو1952، أدرك زعيمها وقائدها جمال عبد الناصر معنى وقيمة ما يسمى بـ “القوى الناعمة” لمصر الثورة ودولة يوليو الجديدة.
كان عبدالناصر، يعلم جيدًا أن مصر يوليو ليس لديها القوة الصلبة للسيطرة والاستحواذ لتحقيق حلم الوحدة العربية، وانما لديها الكنز الذي لا ينضب أبدا من علماءها ومثقفيها ومبدعيها وفنانيها.
والتي يمكن أن تبقى بهذا الكنز” قوى عظمى إقليمية ” دون اللجوء لأي معارك أو أحداث قد تزيد تلك الدولة المُرهقة إرهاقًا جديدًا.
إلا أن ما حدث معه في المملكة المغربية، عمق لديه تلك الفكرة، واقتنع أن رسالة الفن والثقافة أقوى كثيرًا من غيرها.
بدأت القصة في عام 1960، حينما ذهب ناصر في زيارة رسمية إلى المغرب، وحينها اعترض عجوز مغربي موكبه مع الملك الحسن الثاني في الدار البيضاء.
صافحه الرجل ثم سأله على الفنان إسماعيل يس، لم يسأله عن سياسي أو قائد أو عن أحواله أو أحوال البلاد، بل سأله عن فنان شهير، استطاع بفنه أن يدخل كل بيوت الوطن العربي، وهذا هو تأثير الفن الذي لطالما اقتنع به ناصر.
وقال له الرجل:” سيدي الرئيس هل يمكن أن توصل سلامي للفنان إسماعيل ياسين…!!”، تلك الرسالة الترحيبية التي تلقاها ناصر من مواطن مغربي لأشهر فنان كوميدي في الوطن العربي وقتها، أكدت سلامة تقديره وصحة موقفه من أهمية القوى الناعمة للفن.
حمل ناصر الرسالة وعاد إلى مصر، وكله عزم على استغلال تلك القوى، فاقترب من كل مثقفي وفناني مصر وقتها.
ووثق يوم عيد العلم الذي دشنه عام 1954، ليكون عيد لتكريم العلماء والفنانين والكتاب والأدباء، بصورة تليق بهم وبما يحملونه من رسائل قوية.
وكان الرئيس عبد الناصر يحرص دائما على حضوره والتحدث أمام الحضور فيه، وبداية من عام 58 تقرر تغيير موعد عيد العلم إلى 21 ديسمبر، وهو تاريخ افتتاح جامعة القاهرة في عام 1908، بعد أن كان في الملكية يقام في 16 أغسطس من كل عام.
واحتفي ناصر وكرم طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم، وكبار الفنانين مثل أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، وبليغ حمدي والموجي ويوسف وهبي وغيرهم من الفنانين والعلماء الذين لهم بصمة وتأثير في المجتمع المصري والعربي.
اهتمام ناصر بالفن، مكنه من نشر رسالته نحو الوحدة العربية، دون أي معارك أو توترات أو أزمات، وكأن تلك الرسالة التي حملها يومًا ما إلى إسماعيل يس، كانت بداية تغير كل استراتيجيات وقوانين قائد الثورة وزعيم الأمة جمال عبدالناصر.