فتاة سورية لم تكن تتجاوز من العمر ثلاثة عشر عاما.. قبل إتمام إجراءات سفرها لم تكن تعرف أن حجابها سينقذ أسرتها من مصير النهاية، وكانت إجراءات السفر تقتضي نزعه لالتقاط صورة وفق القوانين الأمريكية المعمول بها في هذا الشأن فهل استجابت الفتاة السورية طواعية أم ماذا حدث؟
المكان في أحد المنازل السورية.. حيث اجتمع أب مع أسرته وقرروا السفر للعيش في الولايات المتحدة الأمريكية… الزمان.. عام ألف وتسعمائة وخمسة وخمسين.. حيث كانت ظروف الأسرة تقتضي السفر إلى نيويورك وما أن وصلت الأسرة إلى قرار حتى شرعت في تنفيذه.
كانت أسرة «عاتق» تتكون منه وزوجته وبناته الثلاث وبينهن هالة التي كانت معروفة بين أسرتها بالتمسك برأيها والدفاع عنها بكل ما أوتيت من أدلة منطقية وبرغم صغر سنها حينئذ إلا أن الوالد كان ينظر إليها باعتبارها عشرينية تدرك كل شئ وتحسن دراسة الأمور جيدا واستيعاب الكلمات قبل التفوه بها.
الأب يستبق عائلته قبل أزمة الحجاب
قرر الأب «عاتق» أن يسبق أسرته في السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتدبير أمور المعيشة والسكن الملائم للأسرة في حياتها الجديدة بحيث يضمن لبناته ألا ينقصهن شئ بعد وصولهن إلى ذلك البلد الذي تختلف ثقافته عن الثقافة العربية وتقاليدها وحياة أبنائها المحافظة.
بعد مرور عشرين يوما من سفر الوالد حلَّ الموعد المتفق عليه مع الأسرة للسفر بناء على تواريخ الحجوزات الجوية أعدت الأم نفسها وهيأت بناتها للسفر وجهزت الأمتعة وكان مقررا أن تقلهم الطائرة إلى نيويورك ومن مطار نيويورك تستقل العائلة طائرة أخرى إلى كاليفورنيا وفق الحجوزات المحددة مسبقا.
اختبار القانون الأمريكي
ما أن وصلت الأسرة السورية إلى نيويورك فوجئت قبل التوجه إلى كاليفورنيا بأنها رهن تنفيذ القوانين الأمريكية لأنها «على أراض أمريكية»، وبالتالي على الأم وبناتها نزع الحجاب لالتقاط صورة وفق الإجراءات المعمول بها في هذا الشأن على أن يكون من حقهن ارتداء الحجاب بعد التقاط الصورة.
في مطار نيويورك كان موعد الطائرة التي تم حجز رحلتها للتوجه إلى كاليفورنيا قد اقترب واستجابت الأم واثنان من بناتها لطلب السلطات الأمريكية لكن هالة كان لها موقف آخر.. حيث فوجئ مسؤولو المطار بأن هالة رفضت الطلب وقالت علنا: إن الأمر بالنسبة لها جزء من الدين والعقيدة ولو استدعى تمسكها بأفكارها مغادرة الولايات المتحدة الأمريكية لفعلت.
حديث على انفراد دون جدوى
حدثت حالة ارتباك في المطار الأمريكي وكان على الجميع إقناع هالة وتقرر استدعاء شقيقتها للحديث معها على انفراد لعلها تتمكن من إقناعها إلى أن حاولت الأم تهدئة الموقف وحالتها النفسية في غاية الصعوبة فهم في بلد أجنبي لا يجيدون لغته وليس لديهم فيه معارف أو وساطات.
أمام تمسك هالة برأيها أيقن الضباط الأمريكيون في المطار أن رد فعل هالة بالنسبة لهم «أذن من طين وأخرى من عجين» وأنها صادقة في تمسكها برأيها رغم أنهم أنذروها بإعادتها إلى سوريا مرة أخرى.. وفي النهاية تمت الموافقة على التقاط صورة لهالة بالحجاب دون نزعه لتكون أول صورة «جرين كارد» بالحجاب لسيدة في الولايات المتحدة الأمريكية.
الطائرة تقلع بدونهن
هذه الفترة التي انقضت في إقناع هالة أضاعت موعد الطائرة وفوجئت الأسرة باعتذار الموظفين في المطار الذين أخبروا الأم بأن إصرار هالة على موقفها هو الذي أدى إلى تأخرهم عن موعد الطائرة المتوجهة من نيويورك إلى كاليفورنيا.
أوسعت الأم هالة تقريعا وتوبيخا جرَّاء ما حدث فكانت الأم تسكت برهة ويعلو صوتها على ابنتها أخرى قائلة: أنت التي تتسببين فيما وصلنا إليه.. وبوصولهن في وقت لاحق إلى كاليفورنيا فوجئوا بأن الأب ينتظرهن في حالة ارتباك وبكاء وخوف.
سألت الأم الأب عن سبب تأثره وبكائه فأخبرها بأنه ظن أن حياتهن قد انتهت لأن الطائرة التي فاتهن موعدها تعرضت لحادث وانتهت إلى الأبد ومعها جمع من كانوا على متنها من الركاب..
عندئذ.. ردت هالة عتيق على والدها بعد طول صمت وصبر على عبارات التوبيخ التي وجهتها إليها وقالت لها: بفضل الله ثم حجابي نجونا من الموت.