ظاهرة غريبة وطريفة انتشرت في العصر العباسي، خرجت من قصر الخليفة وانتشرت في المجتمع بالكامل ، ووصل الأمر إلى التغني بهذه الظاهرة ومدحها شعرا ، رغم ما تنطوي عليه من غرابة وابتعاد عن الفطرة السوية .. ترى ما هي هذه الظاهرة وكيف تعامل معها شعراء كبار مثل أبي نواس والبحتري وغيرهما ؟
كان الغزل دائما من الأغراض الشعرية الرائجة في الشعر العربي على مر التاريخ، لدرجة أنه تم تصنيفه ما بين غزل صريح وغزل عفيف، ولكن أن يتم اختراع غرض شعري مخصوص ليلائم مزاج الخليفة فهذا أمر في منتهى الطرافة والعجب .
ما حدث بالضبط هو محاولة من زبيدة أم الخليفة الأمين لتخليصه من شيء اشتهر به وهو حب الغلمان، وللقيام بتلك المهمة قررت أن تضع خطة محددة تجعل ابنها الخليفة يتخلص من هذا الداء وفي الوقت نفسه يعود إلى الفطرة السوية دون أن ينزعج أو يثور عليها أو يشعر بالحرمان من شئ اعتاد عليه .
لذلك استجلبت والدة الخليفة السيدة زبيدة بنت جعفر ابن ابي جعفر المنصور مؤسس الخلافة العباسية العديد من الجواري من بلاد العجم المعروفة الآن بدول البلقان مثل بلغاريا وأرمينيا وكرواتيا، وكانت تلك الجواري يتمتعن بقوام يشبه قوام الغلمان، وبالفعل جعلتهن يرتدين أزياء الغلمان ويقصصن شعورهن، وأرسلتهن إلى ابنها الذي فرح كثيرا بهن، وانشغل بهن تماما عن عادته القديمة.
منذ تلك اللحظة أصبحت الجواري الغلاميات أشبه بالموضة التي انتشرت في قصور الخلافة ولدى الطبقة العليا من رجال الدولة وقتها، وتم إنشاء غرض شعري مخصوص يحمل اسم الغلاميات ، ويدعو للتغزل بهن وشرح مفاتنهن والمتعة التي يمثلنها، ويقال أنها هذا حدث بتكليف من زبيدة أم الخليفة لشعراء بعينهم، ووصل الأمر لدرجة أن الجواري العاديات او التقليديات إن جاز التعبير أصبحن يتشبهن بالغلاميات فيرتدين أزياء الغلمان ويتخذن هيئتهم في قص الشعر وارتداء الملابس القصيرة ، لكي يجذبن المعجبين .
ويبدو أن هذه الظاهرة لم تتوقف عند العصر العباسي، بل انتشرت فكرة التشبه بالغلمان في عصور لاحقة، حتى أننا يمكن أن نراها في عصرنا الحديث في قصات الشعر وفي مظاهر كثيرة .
تغنى بالغلاميات الكثير من الشعراء الذين كانوا يحضرون مجلس الخليفة، وتم ذكرهن في أكثر من مرجع بالتاريخ الإسلامي باعتبارها من الظواهر الطريفة والغريبة .
مع العلم أن هذه الظاهرة تجلت في وقت الصراع الذي دار بين الخليفة الأمين ، الذي تولى الحكم من سنة 193 إلى سنة 198 للهجرة ، أي من عام 809 إلى عام 813 للميلاد، وهو ابن هارون الرشيد الذي رفض هاون أن يسميه وليا للعهد لأنه كان معروفا بالخفة والطيش ، كما أنه كان أصغر من أخيه الخليفة المأمون بستة أشهر، إلا أن والدة الأمين زبيدة العربية القرشية رأت أن الخلافة يجب أن تكون للعرب ، رافضة أن يتولى المأمون الخلافة لأن أمه كانت جارية فارسية، وانتهت تلك الأزمة برحيل الخليفة الأمين في إحد المعارك ، واستتباب الأمر كاملا للخليفة المأمون، واستمرت ظاهرة الغلاميات منتشرة في قصور العباسيين وبيوتاتهم الكبيرة بعد ذلك لفترة طويلة .