واقعة أثارت الجدل ودارت حولها الشكوك، فهي واحدة من تلك الجرائم النادرة التي تزداد غموضا عندما تتكشف دوافعها ويظهر أطرافها بوضوح ليقدموا اعترافاتهم بكل التفاصيل، فلا تزداد إلا غموضا وإن عرف الجاني أو اعترف.
لم تجد العروس الشابة طريقًا لإنهاء حياة زوجها دون السم، فلم تكن العروس بحاجة إلى أن تجد لنفسها مبررا لوضع السم لعريسها لتتخلص منه نهائيا بعد أسبوع واحد من زفافهما، فهي فقط لم تحبه ووجدت هذا السبب كافيا للقتل!
والعجيب أن حنان أعدت خطة التخلص من عريسها قبل زواجهما بعدة أيام، فقد اكتملت الخطة في خيالها وهي تخطو نحو الصيدلية لتشتري «سم فئران «لتقوم بطحنه ثم خبأته حتى تحين اللحظة المناسبة لدس السم له بأي وسيلة!
بدأت الواقعة بتحريات المباحث بعد تلقي أجهزة الأمن بلاغًا بفيد بوصول جثة شاب إلى مستشفى سوهاج ليتبين وفاة العريس وهو خفير نظامي بسم شديد التركيز، إلا أن حصروا الاشتباه في الدائرة الصغيرة المحيطة بعريس قرية ونينة الغربية التابعة لمركز سوهاج وهو إجراء يتفق مع طبيعة جرائم دس السم.
كانت العروس حنان فتاة عمرها لا يزيد علي 19 سنة، تعيش في قرية نجع الجراجرة التابعة لنفس المركز، وهي مثلها مثل أي فتاة في أسرة عادية أكملت تعليمها الفني وكان لابد من الزواج، لكن حنان تعلق قلبها بفتي يمت لها بصلة قرابة وانتظرت أن يفي بوعده ويتقدم لخطبتها ورغم أنه وثيق القرابة لأبيها ولا يوجد ما يجعله يتردد، فإنه أخلف وعده معها مرارا مع أنها رفضت من أجله ثلاثة عرسان كان آخرهم محمود الذي ساقه قدره من قريته القريبة ليتقدم للزواج منها.
كانت منذ بداية أمرها مضطربة معه ولكنه لم يكن يدري بقصة تعلقها بقريبها وأن النفور الذي يبدو عليها أحيانا كان بسبب كبريائها الجريح من رفض ذاك الفتي التقدم لخطبتها، لكن محمود مضي في سبيله وأتم زواجه وسط فرحة من أهل القريتين. ولكن لم يقف الأمر عند النفور فقط، ففي ليلة الزفاف عندما أغلق عليهما باب عش الزوجية الجديد، فقد انتابت الفتاة حالة عصبية عنيفة ألجأت العريس أن يبيت في صالون البيت بينما عروسه قد أغلقت عليها باب غرفة النوم حتى الصباح.
ولكن التفسير الوحيد الذي يمكن قبوله، هو أن هناك من قام «بعمل سحر أسود» لإفساد حياة الزوجين، فبدأ العروسان أول يوم في حياتهما الجديدة بزيارة الدجالين والمشعوذين لفك العمل الذي جعل العروس لا تطيق عريسها.
وفيما يبدو أن محمود بعد عناء أسبوع من التردد على كل المقامات والمزارات الدينية، قد اقتنع بأن السحر قد بدأ يزول، فهذه عروسه تطلب منه لأول مرة وهي تبتسم في وجهه بأن يأخذها في نزهة إلى مدينة سوهاج وجلسا في أحد المتنزهات ليتناولا كوبي عصير وكاد قلبه ينخلع فرحا عندما قدمت له العروس لفافة ورقية صغيرة وهي تخبره بخجل بأن يتناول محتوياتها مع العصير، فزعمت له أنها حبوب «حبة البركة الموصي بها وهي دواء من كل داء» وقد أحضرتها له كهدية أعدتها له بنفسها حتى تبعث النشاط وتدب الحيوية في أوصاله!
ولم يمض وقت طويل حتى تقطع بطن محمود من فرط الآلام وفي المستشفى أجروا له غسيل معدة ثلاث مرات دون جدوى حتى أسلم الروح لتعود عروسه أرملة في اليوم الثامن من عمر حياتها الزوجية.
وفور إخطار اللواء جمال عبد الباري مساعد وزير الداخلية لقطاع الامن العام بالجريمة امر بسرعة كشف الجاني، حيث توصلت التحريات التي امر بها اللواء عمر عبد العال مساعد وزير الداخلية ومدير أمن سوهاج الي الوصول الي المتهم.
وتم ذلك بعد أن كلف اللواء خالد الشاذلي مدير البحث الجنائي والعميد محمود حسن رئيس المباحث بتشكيل فريق من المباحث لكشف غموض الجريمة، حيث أكد تقرير المستشفى ثم تقرير الطب الشرعي، وفاة محمود بسم شديد التركيز ولم تستطع حنان أن تراوغ في الأسئلة التي انهالت عليها من العقيد أحمد عبد الله مفتش المباحث.
فقد ظهرت أعراض التسمم علي العريس فور عودته ولم تكن هناك فرصة لتناول أي شيء سوي معها، كما قررت المتهمة أمام الرائد علي الصغير رئيس مباحث مركز سوهاج والرائد إسلام حمزة والنقيب هيثم شمس الدين معاوني المباحث، أنها اشترت سم الفئران من الصيدلية قبل زفافها بأسبوعين.
بعد أن فشلت في فسخ الخطبة لإصرار والدها على زواجها خشية ما قد يتردد حول سمعتها بعد رفض حبيبها السابق الزواج منها بلا مبرر واضح. وبعد الزواج عزمت علي قتل عريسها بأي وسيلة ولم توافق على أن ينال منها حقوقه الشرعية وتظاهرت بأنها مصابة بحالة عصبية نتيجة السحر الأسود المزعوم، لكنها كانت قد أخفت سم الفئران الأسود الذي أعدته لقتل محمود دون جريرة سوي أنه صدقها فيما تزعم ولم يساوره الشك ولا للحظة تجاهها بل كاد يطير فرحا عندما لاحت عليها علامات البشاشة وهي تقدم له السم على أنه دواء من كل داء!