إذا ما تحدثنا عن التكتيكات والخدع العسكرية، فلن نجد حيلة أكثر دهاء مما حدث في العاصمة الفرنسية باريس عام 1914.
حيث قرر العسكريون الفرنسيون أن يقوموا ببناء مدينة باريس كاملة مزيفة في محاولة لخداع الطائرات الألمانية المحلقة فوقها، فيكيف بُنيت تلك المدينة يا ترى؟ وهل استطاعت فعلا أن تخدع الألمان؟
منذ بداية النزاع العالمي الأول في سنة 1914، كانت العاصمة الفرنسية باريس في منتصف دائرة الاستهداف الألماني، حيث تعرضت المدينة الفرنسية للهجوم الألماني جوا لأول مرة في تاريخها، ورغم قلة الخسائر فإن شيئا مثل لم يكن قد حدث من قبل، فدائما ما كان المدنيون بمعزل عن مثل الاستهدافات تاريخيا.
وفي عام 1917، ركزت الطائرات والمناطيد الألمانية استهدافها على إنجلترا، وارتاحت باريس قليلا، إلا أن تسببت إحدى الغارات الألمانية على لندن، في وفاة 162 بريطانيّا.
علم الفرنسيون حينها أن دورهم قادم، لكن كيف يمكنهم الدفاع عن أنفسهم؟ صور الدمار المنتشر في لندن أرعب الفرنسيين، وهو ما دفعهم للتفكير ملياً في طريقة يحمون بها باريس من جحيم الألمان.
هنا أتى مهندس إيطالي بفكرة مذهلة في مطلع عام 1917، حيث طرح فكرة إنشاء نسخة طبق الأصل من باريس خارج المدينة، من أجل خداع الطيارين الألمان.
بالطبع لم تكن الاستهدافات الجوية بالدقة التي عليها الآن، كان هذا قبل اختراع الرادارات وتقنيات GPS . قديما كان الطيارون يستخدمون أعينهم المجردة في تحديد مواقع الاستهداف، وبالتالي فكانوا يطيرون بارتفاع منخفض لتتبع مسار نهر السين، وهو ما يقودهم لتحديد مدينة باريس.
ومن هنا بدأ بناء المدينة المزيفة لخداع الألمان، اختار المخططون موقعاً يقع على ضفاف نهر السين، وعلى بعد 24 كيلومترا شمال باريس.
تم تجسيد ثلاث مناطق طبق الأصل من باريس، في الشمال الشرقي محور القطار الرئيسي، وفي الشمال الغربي نسخة من العاصمة، أما في الشرق فخصص لتجسيد منطقة صناعية بأضواء ودخان مزيفين.
وتربط كل الأحياء المزيفة من خلال خط سكة حديدية لقطار مصنوع من الخشب. وهكذا ضمت باريس المزيفة، معظم المباني الرئيسية الموجودة في المدينة مثل قوس النصر، وشارع الشانزليزيه ومعظم معالم المدينة المشهورة.
ولأن الاستهداف الألماني كان ليلا، فكان التحدي الأصعب كيفية إنشاء أضواء تشبه أضواء باريس. تولى مهندس كهربائي فذ اسمه جاكوبوزي المهمة، وفعل ذلك باستخدام مصابيح بيضاء وصفراء وحمراء، لخلق انطباع عن الآلات التي تعمل في الليل.
ولكن وعلى الرغم من أنها قد تكون واحدة من أفضل الخطط العسكرية التي تم وضعها على الإطلاق، فإنه لم يتم اختبارها أبدا إلى أن فككت المدينة المزيفة في النهاية، ليسدل الستار عن واحدة من أبرع الخطط العسكرية على الإطلاق والتي لم تستخدم ولا حتى لمرة واحدة.
