موطن أندر الكائنات وأكثرها غرابة وإثارة، وأعمق نقطة بالمحيط لدرجة أن ضغط الماء بها يعادل 50 طائرة ضخمة فوق شخص،
خندق ماريانا أعمق نقطة على وجه الأرض.
على مدى قرن كامل، تسابقت الحملات الاستكشافية محاولة كشف اللغز الدفين، لمعرفة ما الذي يوجد بأعماقه ولاستكشاف أسراره المثيرة.
براكين الطين النشطة تحيط به من كل اتجاه، شكله على شكل الهلال، وبه أعمق بقعتين في كوكبنا، «تشالنغر ديب» أعمق بقعة على وجه الكوكب، تبعد 10 آلاف و935 مترا عن سطح البحر.
أما ثاني أعمق بقعة فهي سيرينا ديب، ويبلغ عمقها 10 آلاف و809 أمتار، هذا العمق المهول إذا وضعت جبل ايفرست بداخله، فإن الماء سيغمره ويطفو فوقه بألفي متر كاملة، وليس عمقه فقط هو ما يأسر العقول، بل إن طوله أيضا أكبر بخمس أضعاف طول الأخدود العظيم.
إذا كيف تشكل الخندق ماريانا؟ وهل توجد حياة بداخله؟ علماء الجيولوجيا يرجعون ما حدث نتيجة اصطدام صفيحتين هائلتين من قشرة المحيط، دفعت إحداهما الأخرى وانزلقت تحتها وغاصت في الأعماق.
وعلى مدى العقد الماضي، تنافست الرحلات العلمية لتحطم الرقم القياسي، فيمن وصل لأكبر عمق في القاع السحيق، لتكشف لنا فيا بعد عن حياة مزدهرة ومدهشة في الأعماق السحيقة، في خندق ماريانا ورغم الظروف القاسية توجد أندر أنواع الكائنات على وجه الأرض.
وعلى الرغم من شح الغذاء وندرته لبعد المضيق السحيق عن الأرض، تشق نباتات أرضية طريقها إلى عمق الخندق، كما هي موطن لأندر الكائنات البحرية، مثل الزينوفايفورا وخيار البحر الصغير.
مخلوقات الزينوفايفورا تشبه الأميبا العملاقة، بينما مزدوجات الأرجل مخلوقات لامعة تشبه الجمبري وتوجد بوفرة في الأعماق قدرتها على الحياة في هذا الضغط الرهيب أمر حير العلماء لعقود، لأن قشورها ستذوب بسهولة تحت وطأة الضغط المرتفع في خندق ماريانا.
ومن أقوى الحيوانات المفترسة في المنطقة سمكة ذات شكل وديع ومخادع، أسماها العلماء «سمكة حلزون خندق ماريانا» وهي تعيش في أعماق تصل إلى 8 آلاف متر.
ساد تصور لدى العلماء أن أعماق المحيطات وبالذات في هذه المنطقة النائية والصافية آمنة من التأثير البشري، لكن للأسف الشديد ذلك التصور أصبح أمرا بعيدا تماما عن الصحة.
ولسوء الحظ طال التلوث البيئي خندق ماريانا، فأثناء أخذ عينات الجمبري اكتشف الباحثون مستويات فائقة من الملوثات العضوية، والتي كانت مستقرة في أنسجة المخلوقات الدهنية.
ولأن الملوثات العضوية العنيدة لا تتحلل طبيعيا، فهي تستمر في البيئة لعدة عقود، وتصل إلى أعماق المحيطات من خلال المخلفات البلاستيكية الملوثة والحيوانات النافقة.
وتنتقل الملوثات من كائن لآخر عبر سلسلة الغذاء في المحيطات، ولم يعد خندق ماريانا نفسه سالما من التلوث البلاستيكي الذي يغزو محيطات العالم، لينذر بمشكلة بيئية تلوح في الأفق، في واحدة من أشد البيئات البحرية على الأرض عزلة وصعوبة على وجه الأرض.