قلق كبير أثاره التحرك العسكري لجيش النيجر ضد الرئيس المنتخب محمد بازوم ووضعه تحت الإقامة الجبرية بقصر الرئاسة بالعاصمة النيجرية نيامي، أسبوعان من التوتر على المستوى السياسي بمنطقة غرب إفريقيا .. فرنسا ترتجف وتدعو لتدخل عسكري لإعادة الرئيس إلى منصبه وعودة الجيش إلى ثكناته حيث أنه لا يهدد مصالحها في المنطقة فحسب بل يهدد حاضرها ومستقبلها.
بوركينافاسو ومالى حليفتا روسيا الجدد يتربصان لأي تحرك عسكري من الغرب ضد النيجر .. المجتمع الإفريقي انقسم على نفسه بين مؤيد للمجلس العسكري في النيجر وآخر معارض .
تشابكات المصالح والقوى في إقليم غرب إفريقيا يجعل الأزمة عالمية لا إفريقية فحسب ومع التهديدات المتتالية والمتسارعة التي تؤدي إلى مواجهة عسكرية وشيكة لم تفعل أمريكا شيء سوى التنديد بقرار المجلس العسكري ورفضه في بياناتها الرسمية ومتابعة الأحداث دون التلويح بالتدخل أو استخدام القوة العسكرية بعكس الموقف الفرنسي، على رغم ما يربط الولايات المتحدة الامريكية بالنيجر من علاقات عسكرية مهمة جدا فما سبب هدوء الولايات المتحدة لهذا الحد ؟ وما السيناريو المحتمل لتدخلها بالأزمة؟
في ظل الأحداث الساخنة التي تمر بها العاصمة نيامي، تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة عسكرية في النيجر هى الأهم بالنسبة لها في إفريقيا، وهي قاعدة للطائرات من دون طيار وتعتبر القاعدة هى المركز الرئيسي لعمليات المراقبة وتنسيق عمليات الاستهداف في منطقة غرب إفريقيا بالكامل .. كلفت الولايات المتحدة القاعدة نحو 110 ملايين دولار فقط لإقامتها بالإضافة إلى 30 مليون دولا سنويا لتشغيلها وصيانتها … فهل تفرط أمريكا في وجودها بالنيجر بهذه السهولة أم أن لدى الولايات المتحدة خطة للبقاء بالنيجر؟
منذ بداية الأزمة والولايات المتحدة تلتزم بالدبلوماسية الشديدة تجاه الأزمة كما أن بياناتها تتعامل مع الأوضاع بحساسية مفرطة، لم تصف ما حدث بالنيجر بالخروج العسكري على السلطة، ولم تتعجل في إصدار البيانات القوية مثل باريس.
ففي بداية الأحداث، قالله المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر: “لم نتوصل بعد إلى هذا التوصيف لأن الأوضاع في تطور مستمر” مما يعزي احتمالية تغير الأوضاع بالنيجر.
ثم عاد وطال الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالإفراج الفوري عن الرئيس بازوم، وتواصل معه وزير الخارجية الأمريكي بلينكين، مؤكدا الحرص على حياته وضرورة الإفراج عنه، إلا أنه على الرغم من كل ذلك لم تدعم الولايات المتحدة الأمريكية بشكل علني ورسمي أي تدخل عسكري في النيجر، على الرغم من تهديد باريس، وتحرك مجموعة الإيكوإس.
فلن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية بخسارتها للقاعدة العسكرية في النيجر التي يتواجد بها أكثر من 1000 جندي، سواء أن نجحت عملية التحرك العسكري ضد الرئيس بازوم أو لا وذلك لأهميتها للتواجد الأمريكي بالمنطقة.
أسباب عدة تمنع الولايات المتحدة الأمريكية من التدخل العسكري بالنيجر أو حتى مجرد دعم الدعوات بالتصعيدات العسكرية يأتي على رأسها انشغال الولايات المتحدة بالمنافسة الدائر في المنطقة بينها وبين روسيا والصين بالإضافة إلي حرب روسيا مع أوكرانيا والتى أنهكتها على ما دار ما يقرب من عامين وكذلك عدم وجود استراتيجية واضحة للتدخل الأمريكي بالنيجر لمواجهة العناصر المتشددة والذي تركته للقوات الفرنسية كما أن المجتمع الدولي مازال يذكر فشل القوات الامريكية في أفغانستان وانسحابها الفاشل رغم وجودها 20 عاما في كابول، فهي لا تريد أن تتكرر تلك الواقعة بانسحاب جنودها من النيجر.
تتحرك الأحداث بسرعة إلى مواجهة عسكرية محتملة بالنيجر، بهدف إعادة الحكومة النيجرية الرئيس بازوم إلى منصبه بالقوة العسكرية من قبل مجموعة غرب إفريقيا على الرغم من أن القمة الأخيرة أكدت أن السلام أولا وأولوية قبل أي عمل عسكري، ولكن خرج رئيس كوت ديفوار ليؤكد أن التدخل العسكري سيكون في أقرب وقت، كما أعلن رؤساء أركان دول مجموعة إيكواس اجتماعهم في غانا غدا لبحث ملف التدخل بالنيجر.
فهل تجبر الأحداث الولايات المتحدة الأمريكية على تغير وجهة نظرها في النيجر، في ظل استعانة المجلس العسكري بالنيجر بمجموعة فاجنر الروسية؟