لا زالت الولايات المتحدة الأمريكية تتباهى بأن لديها أعتى أجهزة المخابرات في العالم وتروج واشنطن لقوتها يوما تلو آخر بكل ما أوتيت من قوة بينما لقنتها الصين درسا يصعب نسيانه.
عام كامل ظل المنطاد الصيني يحلق في سماء الولايات المتحدة الأمريكية ليتحول إلى أكبر مصدر معلومات للصين وتصبح أسرار الأمن القومي الأمريكي جميعها في حوزة بكين.
تداعيات التجسس الصيني على الولايات المتحدة الأمريكية تتجاوز معنويا جمع وإرسال المعلومات إلى تأثير أشد فداحة على سمعة واشنطن التي تتباهى أجهزتها بقدرتها على زرع جهاز تجسس يوما في السفارة الروسية في الولايات المتحدة باستخدام أحد القوارض المدربة.
أدبيا يطلق الأمريكيون على مبنى البنتاجون «عرين الهيبة الأمريكية» ويروجون لقدراتهم المخابراتية على أن لديهم أجهزة قادرة على احتساب دبيب النمل في صحارى العالم كافة بينما أصبحت سمعة الـ «سي آي إيه» على المحك.
بعد عام من التحليق والرصد والتتبع والتصوير وجمع وإرسال المعلومات عن المواقع الأمريكية الحساسة. كان آخر ما استطاع الجيش الأمريكي فعله هو «القضاء على المنطاد في مناطق غير مأهولة» وخرج الرئيس جو بايدن يتباهى بذلك!!!!!.
برغم هالة القداسة على تكتنف القدرات المخابراتية والعسكرية الأمريكية إلا إن حادث المنطاد لم يكن الأول وربما لن يكون الأخير ضمن مخططات التجسس التي طالت سمعة واحد من أعتى الأجهزة الاستخباراتية في العالم.
في عام ألفين وستة عشر فشل طائرة مراقبة واستطلاع أمريكية في رصد معلومات قرب سواحل الصين عقب تدخل سريع لطائرة صينية أجبرت طائرة الاستطلاع الأمريكية على التراجع وأوقف تحليقها. ولم يكن لواشنطن رد سوى مجرد رسالة احتجاج عبر الأبواب الدبلوماسية.
حادثة جزيرة هاينان.. كانت تلك الحادثة الأشهر في تاريخ الفشل الاستخباراتي الأمريكي وكادت أن تتسبب في مواجهة بين الولايات المتحدة والصين التي أجبرت طائرة «إي بي ثري» الأمريكية على الهبوط بعد أن حلقت قرب منشأة عسكرية صينية وقامت الاستخبارات الصينية بعملية تفريغ معلومات لمحتويات الطائرة والمادة التي جمعتها عام ألفين وواحد.
أخضعت السلطات الصينية طاقم الطائرة الأمريكية للتحقيق وتصاعد التوتر بين البلدين إلى نح غير مسبوق واضطر الجانبان إلى الوصول إلى آلية دبلوماسية لتجاوز الأزمة خصوصا وأن المعلومات التي حصلت عليها بكين من تفريغ الطائرة الأمريكية بدت حساسة تتعلق برصد دقيق لمواقع محددة على مستوى العالم.
لم يقتصر الاختراق الصيني للولايات المتحدة الأمريكية على الجانب الاستخباراتي والعسكري فقد سبق لبكين الحصول على معلومات عالية الدقة بشأن «تصنيع محركات توربينية تعمل بالغاز والبخار، وشفراتها» وذلك بعد أن جندت الصين عميلها «لزينج شياوكينج» الذي كان يعمل في شركة جنرال إلكتريك. وأصبحت الأسرار الدقيقة للصناعات الأمريكية في حوزة بكين.
لن تتوقف العمليات الاستخباراتية في نطاق معادلة القوة والتنافس الدولي المتصاعد بين الصين ذات الترتيب الاقتصادي المتقدم والولايات المتحدة التي تدير قوتها من خلال سياسة الأحلاف الدفاعية والقدرة على إزكاء خلافات الخصوم. بينما تسير الصين بهدوء واتزان يضمن لها السيطرة دوليا بدعم الاقتصاد وتحييد المخاطر.. فهل تستوعب واشنطن الدرس يوما وتدرك دون مكابرة أن العالم باتت خريطته متعددة الأقطاب.. أم تواصل التمسك بعقيدة «القطب الأوحد» التي لم يعد لها على أرض الواقع وجود؟.. لعل دوائر صناعة القرار تصل إلى إجابة تتسق مع واقع الأحداث ومنطق العقل.