لا زال ملف «الحقيبة السوداء» مسار حيرة للولايات المتحدة الأمريكية التي تخشى محو عقيدتها العسكرية بعد الدور الروسي المفاجئ والتنسيق المتبادل بين موسكو وبكين في العديد من الملفات المشتركة.
ارست الولايات المتحدة عقيدتها العسكرية، طيلة عقود ماضية على استراتيجية مفادها، أنه ما من وجود لمجتمع دولي، ورسخت دوائر الدبلوماسية الأمريكية والجيش الأمريكي المبادئ الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة بناء على وجود «نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية».
ما أن اندلعت المواجهة بين روسيا وأوكرانيا حتى بدت واشنطن بحاجة إلى إعادة مراجعة ملفاتها وصياغة جديدة لملف علاقاتها الاستراتيجية الخارجية.
في تلك الأثناء بدأت الصين تتعرض لمخاطر مماثلة لذات المخاطر التي دفعت روسيا إلى المواجهة مع إوكرانيا، بعد أن لوَّحت الولايات المتحدة بما أسمته «الحقوق المشروعة لجزيرة تايوان».
أخضعت الصين الملف الأوكراني جيدا لدراسة متأنية وأيقنت أن الجزيرة قد تتحول إلى بؤر توتر مماثلة لها كما تحولت أوكرانيا إلى مصدر قلق بالنسبة لروسيا، وعمد مسؤولون أمريكيون إلى زيارة تايوان في محاولة لتقديم دعم سياسي إلى ذلك البلد الذي لن تسمح الصين بأن يكون أداة للولايات المتحدة الأمريكية للضغط على بكين.
أحكمت الصين تواجدها بحريا في محيط تايوان وبدأت مناورات عسكرية واسعة النطاق استهدفت فرض ما يشبه الحصار البحري للجزيرة..
قررت كل من بكين وموسكو توحيد الجهود المشتركة بينهما؛ بهدف إرساء مبادئ التعاون المشترك على نحو أوسع، وأجرى الجانبان مناورات عسكرية عكست التقارب السياسي بين الجانبين.
تحول ما يعرف بملف «الحقيبة السوداء» القائم على تكثيف مزيد من التعاون السري بين روسيا والصين إلى هاجس لدى الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة جو بايدن وبدأ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يوجه انتقادات لاذعة الى الإدارة الجديدة مشددا على أن الأمور في آسيا ما كان ينبغي لها أن تصل إلى ما وصلت إليه من توتر حال أعمل البيت الأبيض صوت الحكمة وحافظ على هيبة واشنطن بدلا من تعريضها إلى أوضاع مؤسفة.
المباحثات التي أجراها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينج، مؤخرا، دفعت بالموقف الأمريكي إلى مزيد من القلق وذلك بعد أن خرج التنسيق الصيني الروسي إلى العلن، وجدد الجانبان التأكيد على أن تلك المحادثات لتنسيق المواقف وتقوية الشراكة
بوتين يعيد تقييم نظرية «القطب العالمي الأوحد» وهي النظرية التي حكمت دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة سنوات طوال، عازيا ذلك إلى أن العلاقات الروسية الصينية تتزايد كعامل استقرار، وأن التعاون بين بلاده والصين في المجال العسكري والتنسيق في الساحات الدولية سيتزايد، وشدد على أن روسيا ستواصل الدفاع عن مصالحها، واصفا العلاقات بين بكين وموسكو بأنها نموذج لتعاون القوى العظمى.
الرئيس الصيني أيضا يعتبر الشراكة بين بلاده وروسيا في تطور بشكل واسع وتظهر متانتها بقوة العلاقة بين البلدين؛ اعتدادا بأن بكين تتأهب لرفع مستوى التفاعل السياسي مع روسيا، وأن تكون شريكة دولية في ظل الوضع العالمي الذي وصفه بـ «الصعب».
لم تكد تنشر تصريحات الرئيسين الروسي والصين حتى انتهت الخارجية الأمريكية من اجتماعات مع كبار دبلوماسييها المعنيين بملف آسيا وخرجت ببيان شددت صياغته على أن الصين تدعم روسيا بالتوازي مع المواجهة التي تباشرها الأخيرة ضد أوكرانيا.
الولايات المتحدة لا زالت تعتبر بموجب البيان الصادر عن وزارة خارجيتها بأن ترويج الصين لنفسها على أنها دولة محايدة أمام الصراع الروسي الأوكراني مجرد ادعاء مزعوم يخالف التحركات على الأرض.
وقوى التقارب بين موسكو وبكين لمواجهة النفوذ الأمريكي والأطلسي في مناطق عديدة تنظران إليها كمجالات حيوية وسط مخاوف دولية من تفاقم الصراع.