عيناه خلقتان لتراقب كل شيء في ضباب البلاد الشمالي، في ظلامها الحالك ليكشف المُخبئ في مكنون الأنفس، في ملامحه ذكاء قد يربكك، حال حاولت التملص منه، فلا مكان ولا منفس من ذاك الشخص، الذي عاش لسنوات مختبأ تحت عباءة حب الوطن، بينما لم يكن سوى جاسوسًا تركيًا تفنن في خديعة البشر.
الاسكريبت :
في بداية القرن التاسع، وخلال فترة اضمحلال دولة المماليك و صعود الدولة العثمانية في الأفق، وصراع الأمراء، ونفوذ البصاصين، تم تعيين الزيني بركات بن موسى ليتولى أمور الحسبة في مدينة القاهرة خلفًا لعلي بن أبي الجود.
وعلى الرغم من تلك الموروثات والمواويل الشعبية التي تغنت ببطولات الزيني، إلا أن مااتضح بعد ذلك، كان جديرًا بأن يحطم كل بطولاته الزائفة.
فالزيني بركات لم يكن سوى عميلًا للاحتلال العثماني التركي لمصر، تفنن في أساليب التنكيل، كما تمكن من إنشاء فريق بصاصين سري تابع له وليس للمملكة.
فبعد عزل محتسب القاهرة علي بن أبي الجود لكره الناس لمظالمه، ظهر بركات القاضي العادل الذي ينصر المظلومين، ليتولى الحسبة الشريفة.
والحسبة الشريفة هي منصب في عهد المماليك على من يتقلده أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأن يتعرف على الأسعارويغلظ على التجار حتى لا يحتكروا البضائع، كما أن عليه أن يعرف ما يتداوله، لذلك يعاونه في مهمته كبير بصاصين السلطنة.
في البداية، تعفف بركات عن منصب المحتسب بزعم خوفه من الله ومن حسابه، وأظهر ذلك للناس والمماليك، فوقع الناس في فخ ادعاءاته وخرجوا ليطالبوا الزيني بتولي المنصب، وقد كان.
في البداية، عمل الزيني على تنفيذ عدة مشروعات بسيطة لكنه ورجاله نجحوا في الترويج لها كأعمال كبيرة وأمجاد تُنسب لهم، فنفذ مشروع تعليق الفوانيس في الشوارع من أجل إنارتها في الليل، وفتح داره لتسلم المظالم، أما في باطنه فكان عكس ذلك، فقد تفنن في تعذيب المحتسب السابق لسلب أمواله منه.
ولجأ في ذلك إلى التنكيل بـ 7 من الفلاحين أمام بن الجود، لتخويفه، حيث تخلص 3 منهم، ليعترف بن الجود بعدها خوفًا على باقي الفلاحين، فما كان من بركات إلا أن أنهي حياته أيضًا وعلق جسده على باب زويلة.
واستغل الزيني منصبه في البداية ليرتفع قدره بين الناس، فكل ما فعله هو معاقبة صغار التجار، تاركًا الكبار والأمراء الفاسدين رغبة منه في التودد إليهم والحصول على الأموال منهم.
فظائع الزيني لم تنتهي عند تلك الدرجة، فيمكنك أن تتخيل مدى شر رجل استطاع أن يخدع شعب بأكمله ويسقط جهاز المخابرات الخاص بالمملكة أو ما كان يُطلق عليه البصاصين، ليؤسس آخر موازٍ له، يستغله في القضاء على أعدائه.
الزيني ووفقًا لتلك الرواية الوحيدة التي كشفت الوجه الأخر والحقيقي له للكاتب جمال الغيطاني وحملت اسمه أيضًا، كان داهية، فعاش ومات ولم يكشف أحدًا سره، حتى بدأ رجاله أنفسهم مع مرور الزمن بفضح مخططاته.
فبرأيك هل كان الزيني بركات بطلًا أم أنه شيطان في زي راهب؟.