كانت الفرحة ترتسم على وجوه ما يربو عن ألف وثلاثمائة إنسان كانوا على متنها.. لا تكاد مشاهد أطفالهم الذين يستقبلونهم قادمين من السعودية إلى مصر محملين ببعض الهدايا المتواضعة.. يتخيل كل منهم اللحظة التي ينتظرها للقاء أبنائه وعناقهم.. تقبيل أيادي الأمهات وأحضان الأباء الدافئة ظلت تداعب مخيلتهم.. لكن تلك المشاهد بدت لهم أحلاما مستحيلة التحقيق.
سبعة عشر عاما مرَّت على حادث عبارة السلامة ثمانية وتسعين، التي كانت تقل ألفا وأربعمائة وخمسة عشر راكبا بينهم ثمانية وتسعون هم طاقم السفينة. الذين انتهى بهم الحادث إلى تقديم معظمهم وجبة لأسماك البحر الأحمر.
رحلة العبارة السلام التي لم تكن أبدا اسما على مسمى انطلقت من مدينة ضبا التابعة لمنطقة تبوك السعودية إلى مصر وكان مقررا وصولها إلى ميناء سفاجا في البحر الأحمر يوم الثالت من فبراير عام ألفين وستة.
أقلت العبارة مع ركابها المصريين أيضا مائة وخمسة عشر أجنبيا كان من بينهم تسعة وتسعون سعوديا وكان من بين الركاب من أدوا مناسك العمرة، فضلا عن مائتي وعشرين سيارة.
بناء السفينة تولته شركة إيطالية عام ألف وتسعمائة وسبعين ودخلت العمل في المياه الإقليمية الإيطالية وتم تصميمها بطول مائة وواحد وثلاثين مترا بسعة تصل إلى خمسمائة راكب وخضعت لتطوير عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين لزيادة سعة الركاب إلى ألف وثلاثمائة راكب.
تم شراء السفينة من قبل شركة السلام وحملت ذات الاسم وذكرت تقارير صحفية أن السفينة لم تكن مؤهلة لنقل الركاب على النحو الفني الذي صممت عليه، أبحرت السفينة من منطقة تبوك السعودية وحدثت المفاجأة.
على بعد سبعة وخمسين ميلا بحريا من مدينة الغردقة المصرية اختفت السفينة تماما ولم يعد لها وجود ولم تشر أي إجراءات رصد وتتبع على سواحل البحر الأحمر إلى وجود أي مؤشرات على وجود السفينة سليمة.
على مسمع أهالي ركاب السفينة الذي أصبحوا في علم الغيب بثَّ التلفزيون المصري – حينئذ – خبرا عاجلا مفاده «أن عبارة مصرية تقل أكثر من ألف وأربعمائة راكبا في مياه البحر الأحمر». بينما أهالي ركاب السفينة في حيرة من أمرهم.
الرواية الأولى لبعض الناجين من الحادث تؤكد أن لهيبا طال محركها أو غرفة المركات بالكامل وانتشرت المياه في السفينة بالتزامن مع تعطل أجهزة السحب والتجفيف.
اختل توازن السفينة التي جنحت بأحد جانبيها وأظهر الصندوق الأسود أن حالة ارتباك شاملة سادت بين الطاقم ما بين تعليمات سريعة بتعجيل التصرف ومحاولات يائسة لإنقاذ الموقف.
أظهرت تقارير تقييم فنية لاحقة أن تجمه المياه في جانب واحد من السفينة أدى إلى ميلها ومن ثم جنوحها المفاجئ مما صعب احتمالات النجاة. وتلقت فرنسا إشارة الاستغاثة الأولى من السفينة «السلام» وتلتها اسكتلندا التي تلقت إشارة مماثلة.
عرضت بعض الدول المساعدة في عمليات الإنقاذ إلا أن اتساع نطاق البحث وسرعة تيار مياه البحر الأحمر حال دون العثور على ناجين من الركاب.
«المركب تغرق يا قبطان».. كانت تلك العبارة الأخيرة التي صدرت من أحد مساعدي قبطان السفينة هي تلك التي وثقها الصندوق الأسود الذي سجل اللحظات الأخيرة في حياة الطاقم والركاب وتم تفريغه في سياق تداول قضية غرق السفينة في إحدى وعشرين جلسة تم تداولها عامين في أروقة القضاء.
أظهر التسجيل أيضا صوت القبطان ومساعده وهما يحاولان احتواء حلقة فزع كانا هما أول من طالتهما وتبادل الاثنان التعليمات وعلى صوتهما تبدو نبرة التوتر وسط ترديد عبارة: «حاول أن تطمئن الركاب»
دفعت القوات المسلحة المصرية بأطقم مدربة فور التقاط الإشارات بشأن غرق السفينة وذلك قبل أن يتم تكليفها رسميا بالبحث، وبمواصلة عمليات البحث عن الناجين تم انتشال مائة وستة عشر ناجينا وأكثر من مائتي راحل عن الحياة.
أراد ركاب السفينة «السلام» العودة إلى ديارهم سالمين ولعل القدر اختار لهم رحيلا إلى مكان أفضل حيث حلقت أرواحهم في سماء البحر الأحمر. لكن الحادث أظهر الحاجة إلى مراجعة شاملة لضوابط الإبحار بالسفن.