العالم يكافح في الوقت الحالي لتجاوز الأزمات المتلاحقة التي مرت عليه في الأعوام القليلة الماضية. ولكن هناك جرس إنذار بشأن أزمة جديدة من شأنها شل اقتصادات دول عظمة وتعميق أزمة الغذاء وإمدادات الطاقة.
التغير المناخي سيكون هو الأمر الذي يخشاه العالم أجمع في الفترة المقبلة، ولكن ما هي تطورات الوضع؟ ولماذا يتم اعتباره أزمة تهدد البشرية؟
أصبح هناك 71 نهرًا مهددًا بالجفاف في ظل كارثة التغير المناخي التي أصابت أمريكا وأوروبا والصين، وهو ما يدق ناقوس الخطر وينذر بعواقب وخيمة محتملة على الصناعة والشحن والطاقة وإنتاج الغذاء والزراعة وسلاسل التوريد وتوليد الكهرباء.
ماذا يحدث على أرض الواقع؟
في الصين، انخفضت تدفقات نهر اليانجتسي بشكل كبير لأول مرة منذ 157 عاما، فضلا عن تأثر 65 نهرا آخر بالجفاف في 34 مقاطعة صينية، مما يضرب الشحن النهري وبالتالي التجارة والاقتصاد.
ونهر الراين الذي يعد من الأكبر في أوروبا ويعبر 6 دول أوروبية، انخفض منسوبه بمقدار الثلث، وهو ما خفض النقل النهري بنسبة 30%.
وفي فرنسا النهر الأطول هناك وهو نهر لوار شهد انخفاضًا حادًا في منسوبه بعد أن جفت روافده، وهو ما أثر على الزراعة والسياحة وصيد الأسماك، وتأثرت 4 محطات للطاقة النووية تستخدم مياهه في تبريد مفاعلاتها، مما قلل إنتاج الكهرباء.
أما نهر بو الذي يتدفق عبر شمال إيطاليا لمسافة تزيد على 650 كيلومترًا، يواجه أيضًا كنظرائه انخفاضًا حادًا في منسوب مياهه لأول مرة منذ 70 عامًا، وهو ما يؤثر على ري المحاصيل ومياه الشرب.
وبالنسبة لأطول ممر مائي في أوروبا الغربية، وهو نهر الدانوب فانخفضت مياهه لمستوى قياسي، وهو ما فاقم مشاكل عبور سفن الشحن.
وفي أمريكا، نهر كولورادو الذي يزود غرب الولايات المتحدة بالمياه ويتدفق إلى المكسيك، أصبح يعاني انخفاضًا حادًا في منسوب المياه.
ما عرضناه عليكم هو البعض وليس الكل، وأكد مجلة “أتالير” الإسبانية إن جفاف الأنهار الرئيسية أصبح يشكل مشكلة لوجستية واقتصادية دولية، تضاف لقضايا ارتفاع التضخم وغلاء أسعار الغذاء في عدة بلدان، كما فاقم أزمة الطاقة الناتجة عن الأزمات الأخيرة.
وأوضحت المجلة الإسبانية في تقرير لها أن العالم يشهد في الوقت الحالي أسوأ موجة جفاف منذ عقود، والتي تسببت في دمار عدة أنهار استراتيجية كما خلقت مشاكل كبيرة بتوريد بعض المنتجات والسلع.
ما الضرر الذي سيقع بسبب هذا الأمر وخاصةً في أوروبا؟
التغير المناخي أصبح في الوقت الحالي يهدد شرايين المياه في أوروبا بعد ارتفاع درجات الحرارة بشكل قياسي هناك، مما تسبب في تبخر مياه أنهار كبيرة وأنذر بخسائر 80 مليار دولار بحركة النقل النهري في القارة، التي تشهد أسوأ موجة جفاف منذ نحو 500 عام.
وكان مركز الاتحاد الأوروبي للبحوث قد حذر في الفترة الأخيرة من أن ارتفاع درجة الحرارة والجفاف ربما يؤديان إلى انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة ما بين 8% و9% عالميا.
كما تأثرت أيضًا حركة النقل النهري وارتفعت أسعار الشحن بنحو 30% وفقًا لبيانات هيئة “يوروستات”.
وكشف المرصد الأوروبي لمراقبة الجفاف إن قرابة ثلثي القارة الأوروبية عرضة للجفاف، وحوالي 54% من أراضيها تعرضت للجفاف بالفعل بحلول شهر يوليو الماضي.
هل الوضع في أمريكا كأوروبا؟
هناك في الولايات المتحدة يجري نهر كولورادو غربي البلاد ويصب في المكسيك، ويعتمد على مياهه نحو 40 مليون شخص في المكسيك و7 ولايات أميركية من بينها آريزونا وكاليفورنيا وكولورادو ونيفادا، للشرب والزراعة وتوليد الكهرباء.
وكشفت تقارير أمريكية أن بعض الزراعات تأثرت في تلك الولايات وخاصةً أريزونا التي من المرجح أن تفقد ما يقارب 21% من المياه التي تحصل عليها من النهر نتيجة الجفاف وتغير المناخ.
من هم أكثر المتضررين؟
بكل تأكيد الصين هي أكثر المتضررين من الجفاف الذي ضرب 66 نهرًا في 34 مقاطعة بمنطقة تشونجتشينج جنوبي غرب الصين يثير مخاوف من قطع إمدادات السلع بين المقاطعات.
وكشفت وزارة الطوارئ الصينية خلال شهر أغسطس الماضي أن ارتفاع درجات الحرارة في يوليو الماضي أدى إلى خسائر اقتصادية مباشرة بلغت قيمتها 400 مليون دولار.
كما أنه قد تتسبب قلة المياه في النهر في أزمة جوع، وتؤثر على عمل محطات كهرومائية بما فيها “سد الممرات الثلاث”، أكبر محطة كهرباء بالعالم.
ووفقًا لوكالة شينخوا الصينية الحكومية فأن منسوب بحيرة بويانج أحد أحواض الفيضان المهمة لنهر اليانجتسي انخفض إلى ربع حجمها.
هناك تقرير صدر من الأمم المتحدة بعنوان “الجفاف في أرقام 2022″، أكد أن حالات الجفاف على مستوى العالم أصبحت أكثر تواترًا وطولًا، وأن ما بين عامي 1970 و2019، شكلت مخاطر الطقس والمناخ والمياه 50% من كوارث العالم.
فمتى ستنتهي تلك الأزمة؟ وهل ستقلب بالفعل موازين القوى في العالم؟