بدأت الجامعات ولحقت بها الشوارع. فرض النظام السيطرة الأمنية فتوجه المحتجون إلى أسطح المنازل والشرفات مرة بهتاف وأخرى بطرق وثالثة بالهتاف.. لكن الأغرب كان في الشعارات عميقة الدلالة قوية المضمون التي تناولت رأس النظام الإيراني نفسه وخاضت في أمور كانت في عهد سابق من المحرمات والمقدسات التي لا يجوز المساس بها أو التعرض له بكلمة.
هكذا حال الشارع الإيراني والمطالب التي تنمو يوما تلو آخر بشأن تغيير بات بالنسبة للإيرانيين حلما يلوح في الأفق، لكن ذلك الحلم لم يجد حتى الآن سبيلا إلى أرض الواقع سوى في كلمات يدونها المكبوتون على لافتات ويسجلونها في شعارات.
قاربت الاحتجاجات في إيران شهرها الثالث دونما أمل يظهر بشأن محاولة احتواء الأوضاع أو تحييدها أو الوصول على الأقل إلى صيغة سياسية تضمن عودة الشارع الإيراني إلى ما كان عليه خصوصا وأن الوضع السياسي الراهن سيؤثر حتما على اقتصاد البلاد.
الشباب بدورهم نطقوا بما كان محرما.. وأظهروا ما كان من قبل سرا فمن الهتافات إلى الكتابة باتت الشعارات السياسية التي يحملونها ويكتبونها تحمل رسائل مباشرة بحتمية التغيير.
أمام التصعيد اليومي وعدم اكتراث المحتجين بالتحذيرات التي أطلقتها السلطات الإيرانية بحتمية توقف المظاهرات حدد الحرس الثوري يوم التاسع والعشرين من أكتوبر الماضي موعدا لنهاية التظاهرات وقال قائد الحرس الثوري حسين سلامي للمتظاهرين في خطاب بثه الإعلام الإيراني: «لا تخرجوا هذا آخر يوم للمظاهرات».
برغم لهجة حادة في خطاب سلامي إلا أن المتظاهرين ومن بينهم شباب الجامعات اعتبروه هو والعدم سواء بل واصلوا تصعيد مطالبهم فيما لجأ النظام إلى توصيف ما تتعرض له البلاد بأنه مؤامرة حيكت ضدها. وبدا الإيرانيون يكسرون حاجز القداسة عن كل ما يعترض مطالب التغيير فحملوا شعارات تطالب بحتمية التغيير مهما كان الثمن.
طالما حاولت السلطات تتبع مواقع صياغة وكتابة تلك الشعارات من خلال العناصر الأمنية بزي مدني والتي حاولت جمع أكبر قدر من المعلومات عن مسار وأهداف ذلك التصعيد.. وأمام مراوغة الشباب وتنوع أساليبهم والسرية التي يحيطون بها تحركاتهم درس النظام إمكانية إرسال طائرات درون لتتبع وتصوير الشباب والمواقع التي تتم كتابة الشعارات فيها.
تقوم خطة السلطات الإيرانية على ضرورة مسح كامل المناطق التي يعتبرها النظام نقاط توتر أمني ومصدرا لاندلاع المظاهرات التي ربما تضع البلاد برمتها أمام تحد مصيري يصعب تدارك تداعياته السلبية مستقبلا.
النساء الإيرانيات أيضا لا زال لهن الدور المؤثر في التصعيد الذي تشهده البلاد خصوصا وأن بدايته الأولى كانت بعد رحيل الشابة مهسا أميني وسط تقارير تشير إلى تورط عناصر أمنية فيما عانته.
وظل المساس بالقيادات الإيرانية عقودا من الزمن أمرا من المحرمات في البلاد بينما تشهد الجامعات الإيرانية وعيا كبيرا لدى طلابها بشأن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للشعب الإيراني ودور الدولة المفترض حياله خصوصا وقد حلت أزمة جائحة كورونا لتطرح أنان البلاد تحديات كبيرة تتطلب إعادة صياغة الإنفاق على الصحة والبنية التحتية والعمل على حل مشاكل البطالة والاقتصاد وفتح المجال السياسي حتى لا تكون الأوضاع الراهنة فرصة للمتربصين بالبلاد.
برغم التصعيد اليومي الذي تشهده البلاد لكن معادلة الحل لا زال جزءا كبيرا منها في حوزة النظام الإيراني الذي يمكنه احتواء الموقف بالتخلي عن سياسة المواجهة بالقوة واللجوء إلى حوار سياسي شامل.. فهل يمكن استيعاب الدرس واحتواء الخطر؟ ربما تطرح الأيام المقبلة إجابة وافية بشأن الوضع الإيراني الراهن.