نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، تقريرًا مطولًا ترصد خلاله رحلة استئناف إنقاذ أطفال “كهف الموت” الـ 12 ومدربهم بعدما قرروا خوض مغامرة معروفة في تايلاند باسم “ثام لونج”، وهي مغامرة معتاد عليها أهالي البلدة بالدخول إلى الكهف الذي يبلغ طوله 10 كيلو متر دفعة واحدة.
بدأت الواقعة حين قرر الأطفال الدخول في تحدي جديد مع مدربهم الشاب بالدخول لهذا الكهف المحبب لسكان تلك المنطقة تحديدًا في تايلاند لخوض مغامرة غير تقليدية في مثل سنهم، وبعد موافقة المدرب بدأت الأطفال في خلع أحذيتهم وترك الدراجات الخاصة بهم عند مدخل الكهف.
وبالفعل، بدأت المغامرة وتخطى الأطفال رفقة المدرب الشاب مسافة 3 كيلو متر داخل الكهف المظلم، كان المدرب يقود قافلة الأطفال لكن ما حدث لم يكن على البال إطلاقًان حيث لسوء حظهم الشديد بدأت الأمطار في الهطول بغزارة، حتى أن الأطفال والمدرب تغافلوا عن موعد موسم الأمطار الذي يهطل كل عام في مثل هذا الوقت بغزارة شديدة حد السيول.
فكر المدرب في العودة، إلا أنه تفاجئ بشئ جديد، ألا وهو اقتحام المياة لمدخل الكهف ودخولها للداخل بغزارة شديدة ما قد يسبب غرقهم هم في البداية، ومن ثم تفكك بعض الأجزاء الجبلية التي قد تعمل على سد الطرق المؤدية للخروج من الكهف، ولم يجد أمامه سوى قرار الفرار من منسوب المياة الذي يرتفع بسرعة شديدة.
قرر المدرب قيادة قافلة الأطفال لمنطقة الصخور العالية المتواجدة داخل الكهف نظرًا لمعرفته الكبيرة بالطرق في هذا الكهف المظلم وأن منسوب المياة لن يصل لتلك المنطقة بطبيعة الحال، وظلوا هناك لمدة يومين !.
ومن هنا. بدأت أهالي الأطفال تستشعر بأن هناك شئ يدور لهم، هواتفهم النقالة خارج نطاق الخدمة، ولم يستطيعوا الوصول إلى المدرب، فتوجهوا دفعة واحدة إلى مكتب الشرطة لتقديم بلاغ باختفائهم، وعلى الفور بدأت قوات الشرطة في البحث وتكثيف الجهود للعثور على فريق كرة قدم يتكون من 12 طفل ومدربهم الشاب، حتى وأن الأمر وصل لإعلان حالة الطوارئ للعثور على هؤلاء الأطفال.
وفي صباح يوم 25 يونيو الماضي، خرجت السلطات في تايلاند لتعلن الكارثة، تم العثور على أحذية الأطفال ودراجاتهم أمام الكهف الذي عُرف إعلاميًا بـ”كهف الموت”، كما تم رفع حالة الطوارئ لإنقاذ الأطفال في ظل تزايد الأمطار بشدة في تايلاند وعدة استطاعت السلطات في الدخول إلى الكهف.
بعد خروج السلطات التايلاندية بهذا الإعلان، بدأت الدول الكبرى في التحرك، وبات الحدث هو السائد والغالب في الصحف العالمية والقنوات، حيث خرجت دول أبرزهم : “الصين، استراليا، فرنسا واليابان وأمريكا” في إرسال فرق متخصصة للمشاركة مع الحكومة التايلاندية في عملية إنقاذ الأطفال.
بدأت أزمة إنقاذ الأطفال تُحدث صدى إعلامي واسع للغاية، خاصة بعد مرور أسبوع بالكامل على وجود الأطفال داخل الكهف المظلم بدون طعام أو شراب، حتى جاءت البشرى الأولى، استطاع اثنين من الغواصيين البريطانيين في الدخول إلى مكان تواجد الأطفال في الكهف المظلم، كما قاموا بتصويرهم ضمن مقطع فيديو وتحدثوا معهم حول حالتهم وكم عددهم، وأرسل الغواصيين الصور لذويهم في الخارج.
ظهر في مقطع الفيديو حجم الإعياء والتعب الشديد على وجوه الأطفال والمدرب، خاصة في ظل عدم وجود طعام أو شراب بالإضافة لقلة الأكسجين في مكان تواجدهم.
على الجانب الأخر، قامت السلطات في تايلاند بعقد اجتماعات دورية لحساب بعض العمليات الحسابية الخاصة بإخراج الأطفال في صراع كبيرة وعنيف مع الزمن، توصلت السلطات في اجتماعاتها لأكثر من خطة، الأول: كانت بخصوص محاولة رفع المياه وسحبها خارج الكهف لإخراج الأطفال في سلام، إلا أن تلك الخطة ستستغرق شهرين على الأقل.
أما الخطة الثانية، كانت محاولة إخراج الأطفال بواسطة غواصين، إلا أن بعد تجربة دخول اثنين من الغواصيين البريطانيين وجدوا أن الوقت المستغرق للدخول لمكان الأطفال حوالي 7 كيلو إلى جانب وجود ممرات ضيقة جدًا لن تسمح بمرور الأطفال والغواصيين مع أنابيب الأكسجين دفعة واحدة، كما أن تلك الخطة بها مخاطر كبرى على الأطفال فتم استبعادها تمامًا.
وعن الخطة الثالثة، توصلت السلطات إلى قرار تعلم الأطفال السباحة والغوص بمفردهم وهم داخل الكهف، وأن تلك الخطة ستستغرق 4 أشهر، ولكنها كانت الخطة المثالية تمامًا أمام السلطات، فبدأت الحكومة في تايلاند في تجهيز الأطعمة والمشروبات المقرر توصيلها للأطفال لسد احتياجاتهم تلك الأشهر المقبلة، بالإضافة للاكسجين.
لكن سرعان ما تم التراجع عن الخطة الأخيرة بسبب ورود تقرير من الأرصاد هناك يؤكد هبوب موجة عنيفة من هطول الأمطار على البلاد قد لا تتوقف على الإطلاق، ما يعني غرق الأطفال في الداخل بهذا الشكل.
في هذا الوقت، وعلى الجانب الأخر من العالم، كان الملياردير الأمريكي “ألين ماسك”، يُجهز خطة أكثر من رائعة رفقة العاملين في شركته المتخصصة في الإنقاذ والغوص، لتقديمها للسلطات في تايلاند، تعتمد الخطة التي تم الكشف عنها في مؤتمر صحفي، على توفير ألين ماسك لأنابيب غوص تم إعدادها لوضع كل طفل بداخلها على حدة ومزودة بجهاز أكسجين خاص بها، حيث يتم سحبها أو إطلاقها مثل الغواصات البحرية العادية عبر الممرات الضيقة ومُجهزة بأجهزة اشعار، تلك الغواصات تم صناعتها في وقت قياسي تمامًا وهو 4 أيام فقط ليتم تسليمها للسلطات في تايلاند.
في الوقت نفسه، وبعد دخول عدد من الغواصين للاطمئنان على الأطفال كل يوم، كان أهالي هؤلاء الأطفال يبعثون لهم رسالات خاصة لمؤازرتهم داخل الكهف، أكدوا لهم أن العالم بأثره يتحدث عنهم وصنع منهم أبطال، كما طالبوهم بضرورة التحلي بالإيمان والصبر حتى خروجهم من هذا الكهف، كما وأن الاطفال بادلوا أسرهم برسائل أشد إيجابية.
وفي اليوم العاشر للأطفال في الكهف، خرجت السلطات في تايلاند تؤكد أن هناك موجة فيضانات وأمطار ستبدأ بغزارة على البلاد بداية من السبت المقبل، وأن بداية تلك الموجة ستسبب عرقلة كبيرة لعملية الإنقاذ الخاصة بالأطفال والمدرب، ومن هنا بدأ الملياردير “ألين ماسك” في وضع خطة الانطلاق التي شارك فيها أكثر من 8 ألاف شخص “متطوع” من دول مختلفة.
في اليوم نفسه، والذي تصادف مع أيام انطلاق مباريات دور الـ 8 من مونديال كأس العالم، خرج رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، إنفانتينو بنفسه للحديث عن تلك الأزمة الخاصة بأطفال الكهف، حيث عبر لهم عن مدى فخره الشديد بشجاعتهم، وأرسل لهم دعوة لحضور المباراة النهائية لمونديال كأس العالم.
كما قام المنتخب الياباني بعد عودته إلى بلاده بعد الخروج من كأس العالم، بإرسال رسالة لهم جاءت : ” أنتم أقوياء، وأسرة كرة القدم معكم “، ودعم الدون البرتغالي كريستيانو رونالدو الأطفال وأسرهم عبر حساباته الشخصية، بالإضافة لكافة الاتحادات الرياضية حول العالم والمدربين وعدد كبير من المدربين.
جدير بالذكر، أن العملية بدأت فجر أمس الأحد، باستخدام الأنابيب الخاصة التي ابتكرها “ألين ماسك”، وتم إنقاذ 4 أطفال مساء الأحد، و2 أخرين فجر الاثنين، بجانب 2 أخرين عصر الاثنين، ليصبح عدد الأطفال الذين خرجوا من كهف الموت الآن 8، ويتبقى 4 والمدرب.
كما شهدت تلك العملية وفاة غواص تايلاندي شاب، أثناء محاولته إدخال بعض المستلزمات الخاصة بإنقاذ الأطفال، نظرًا لقلة الاكسجين الموجود معه في داخل الكهف.