أراد الرجل البحث عن دور أو تأكيد وجوده فارتكب فعلة لن يسهل محوها من التاريخ الليبي بعد أن أعاد توريط البلاد في مواجهة لن يسهل احتواء تداعياتها. فيما طالت عملية تسليم أحد المواطنين، سيادة الدولة ذاتها، فكيف تورَّط الدبيبة.
عقود مرَّت على قضية لوكيربي التي طمر الزمن ضحاياها بينما بقيت أسرارها عقودًا من السنين،التعويضات المقدمة إلى عائلات مائتين وسبعين ضحية تجاوز الاثنين فاصل سبعة من عشرة مليار دولار أمريكي مقابل صفقة بين واشنطن و نظام القذافي تضمَّنت دفع الأموال مقابل غلق ملف القضية.
الحادث الذي طال طائرة بانام الأمريكية فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية عام ألف وتسعمائة وثمانية وثمانين، عاد يضرب بأطنابه من جديد بعد إعادة فتح ملف القضية على يد رئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة.
تحوَّلت القضية إلى ورقة ضغط سياسي رابحة.. وجد الدبيبة غير المأسوف على ولايته المنتهية قانونًا أمام المجتمع الدولي، وجد ضالته في أوراق بلاده القديمة وعاد ينبش في ماضٍ ستكون تداعياته مأساوية، ليس على مستقبله السياسي فحسب وإنما على وضع سياسي معقد تعانيه ليبيا أمام مجتمع دولي لم يعد يتعامل سوى بلغة القوة ولهجة المصالح.
الخبراء بالشأن الليبي يرون الدبيبة في أسوأ لحظات الضعف السياسي.. حيث أراد البحث عن دور فوجد نفسه محاصرًا بتهمة قد يندرج تصنيفها تحت «الخيانة العظمى» فالرجل الحالم بسلطة انسلخت ولايتها منه بحكم القانون بدأ يتذرع بحجة واهية أسماها البحث عن مصالح الليبيين وأموالهم وهم منه براء، خصوصا وأن أي تناول للقضية على النحو الذي صارت إليه نتائجها الأخيرة سيخلف وبالا صعبا على الليبيين كافة.
لكن معطيات تناول الدبيبة للقضية تؤكد أن مصيرًا صعبًا سينتهي به إلى محاكمة في الداخل الليبي بشأن تورطه في عملية تسليم الضابط المتهم الثاني في القضية على خلفية إدعاء تورطه في تصنيع المقذوفات المستخدمة ضد الطائرة المشار إليها.
المتهم أبو عجيلة محمد مسعود البالغ من العمر واحد وسبعين عامًا فوجئ أثناء مثوله أمام القضاء الليبي أنه لن يواجه عقوبة «إنهاء الحياء»؛ لأن تلك العقوبة لم يكن قد تم إقرارها في الولايات المتحدة وقت استهداف الطائرة.
كان المتهم الوحيد في القضية هو ضابط المخابرات الليبي السابق عبد الباسط المقرحي الذي سجن سبع سنوات في سجن اسكتلندي بعد إدانته في القضية. وطرحت إعادة فتح ملف القضية اسم المتهم الجديد أبو عجيلة محمد مسعود.
أربعة عشر يوما تبقت على انعقاد الجلسة الثانية لمحاكمة أبو عجيلة وخلالها سيكون رئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايته عبد الحميد الدبيبة في مواجهة أشد صعوبة. تلك المواجهة التي بدأت أولى حلقاتها بقيام حكومة الاستقرار الليبية التي يرأسها فتحي باشاغا، بمطالبة وزراء حكومة الدبيبة، بتقديم استقالتها.
كما ندد مجلس النواب الليبي بمحاولة الدبيبة إعادة فتح قضية لوكيربي، البرلمان الليبي يطالب أيضًا بفتح تحقيق في قضية اختطاف أبو عجيلة مسعود، ومحاكمة كل المتورطين في تسليمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية بتهمة الخيانة العظمى، فهل سيجد الدبيبة مبررا للدفاع عن نفسه حال محاكمته،ربما ينجح الدبيبة في الوصول إلى رواية جديدة تماثل تلك التي ساقها بشأن مبررات تسليم أبو عجيلة.