كأن المصائب لا تأتى فرادى على القارة العجوز فى أزمة إمدادات الطاقة، ففى الوقت التى تحاول فيه الدول الأوروبية البحث عن طوق نجاة لتوفير بديل للغاز الروسى وتحاول التعاقد على شحنات من الغاز المسال أصدرت الصين قرارها الذى قد يضع أوروبا تحت الحصار.. فماذا حدث؟
فطلبت بكين من مستوردي الغاز الطبيعي المملوكين للدولة وقف إعادة بيع الشحنات للمشترين في أوروبا وآسيا، للتأكد من أن الصين لديها إمدادات كافية للاحتياجات المحلية هذا الشتاء.
جاء القرار الصيني، فى الوقت التى تحاول فيه الدول الأوروبية البحث عن طوق نجاة لتوفير بديل للغاز الروسى الذى توقفت إمدادته ويغطي 40 % من احتياجات القارة العجوز ليضع أوروبا فى مأزق خطير.
وكانت الصين موردًا مهمًا للغاز إلى أوروبا، وذلك بفعل التباطؤ الاقتصادي جراء فرض بكين سياسة صارمة فى فترة الوباء ما أدى إلى إضعاف الطلب المحلي على الغاز، تاركًا مستورديها مع فائض من الغاز الطبيعي أعادوا بيعه إلى أوروبا وأماكن أخرى.
ليكون الغاز الصيني هو شريان الحياة إلى أوروبا وسط أزمة الطاقة من خلال إعادة بيع الغاز الطبيعي المسال غير الضروري الذي تم شراؤه من روسيا.
ففي أغسطس الماضى تم إعادة بيع ما يقدر بأكثر من 4 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال الصيني، أى ما يقرب من 7 ٪ من واردات أوروبا في النصف الأول من العام، لتحقق الشركات الصينية أرباحًا هائلة بالمليارات حيث كانت تشتري الوقود الروسي بثمن بخس بخصم 50٪ على إمدادات الغاز الطبيعي المسال.
فبينما يبلغ سعر الغاز الطبيعي في الأسواق الآسيوية نحو 45 دولاراً لمليون وحدة حرارة بريطانية، فإن سعرها يراوح بين 57 و60 دولاراً في السوق الأوروبية.
ومع القرار الجديد من بكين، أوقفت الصين شريان الحياة إلى أوروبا، وتركتها تعانى مرارة غدر الأصدقاء فى الولايات المتحدة الأمريكية الذين حرضوا دول أوروبا على فرض العقوبات على روسيا والتوقف عن استيراد الغاز الروسى، ومع أول أزمة فى توفير البديل باعوا الغاز بأسعار مضاعفة 4 مرات ليخرج الرئيس الفرنسي ووزير الاقتصاد الألمانى يشكون من غدر الأصدقاء على الهواء ويؤكدون أن هذا الأمر لا يمكن تحمله.
ليكون القرار الصيني، بمثابة حصار للطاقة على أوروبا، على الرغم من أنه صادر من أجل توفير احتياجات الصين فى الشتاء، فمع توقع إمدادت الغاز الروسى الذى يمثل 40% من احتياجات القارة العجوز وتوقف إمدادت الصين، يتبقى غاز الخليج ومصر والولايات المتحدة على الرغم من ارتفاع سعره.
وفى الشارع الأوربى تعالت الأصوات والتظاهرات فى برلين وباريس وبروكسل، وغيرها من العواصم الأوروبية بسبب ارتفاع فواتير الطاقة وعدم توافر الغاز مما يهدد حياتهم فى ظل شتاء قارس، كما يهدد عجلة الصناعة.
وتستهدف روسيا استخدام الغاز الذي يهدد أوروبا في الشتاء كورقة رابحة لزعزعة القرار الأوروبي وربما القضاء على تماسك وحدة القرار الأوروبي في المستقبل وإشعال نار ثورات شعبية بسبب الفواتير الضخمة التي يدفعها المواطنون للكهرباء والتدفئة، وبالتالى إفشال العقوبات الاقتصادية الغربية عليها.
ووضعت أزمة الغاز الحكومات الأوروبية فى مأزق، كبير بين الاستسلام لروسيا ورفع العقوبات عن الغاز الروسى والحصول عليه بسعر رخيص، ويين أزمة حادة تؤثر على مناحى الحياة فى أوروبا بشكل عام وتهدد بقاء الشعوب والحكومات أنفسها.