«إن مطلبنا واضح وهو عدم وجود قوات لحلف شمال الأطلسي على حدودنا..».. كان ذلك هو الشرط الوحيد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل شهر فبراير الماضي؛ لضمان عدم تعرض أوكرانيا لمواجهة، ومن بعدها أعلنت كييف تمديد اتفاق لبقاء قوات حلف الناتو على أراضيها.. إلى أن حدثت المواجهة الصعبة بين روسيا وأوكرانيا.. ورغم تداعيات تلك المأساة يبدو أن القيصر يتأهب لمواجهة جديدة.. فما القصة؟.
مولدوفا دولة أوروبية موقعها الجغرافي شرق أوروبا بين أوكرانيا ورومانيا.. ورغم أن غالبية أهلها من سكان مولدوفا الأصليين إلا أن مجموعة منهم هم عسكريون روس يسكنون شريط ترانسنيستريا الذي يقع شرق نهر دنيستر.. وتكمن الأزمة التي تخشاها الولايات المتحدة الأمريكية في إبداء هؤلاء السكان رغبتهم في الإنضمام إلى روسيا.
مؤخراً طالبت مولدوفا بدعم قدراتها الدفاعية من خلال الحصول على آليات عسكرية متطورة ورصدت روسيا خطط حلف شمال الأطلسي الناتو بشأن دعم الحلفاء في مواجهة موسكو بالتزامن من المواجهة الروسية الأوكرانية.
روسيا علَّقت على المحاولات الجارية لتعزيز قدرات مولدوفا. ورأت موسكو أن تلك المحاولات قد تؤدي إلى صياغة المشهد الأخير في المواجهة مع الغرب، حيث عدَّت موسكو تلك المحاولات إزكاءً لمزيد من أزمات كان من الممكن تفاديها.
«إن تكثيف التعاون العسكري بين مولدوفا وبلدان الناتو عامل يقوِّض أمن مولدوفا نفسها إلى حدٍ كبير».. كان ذلك تحذير موسكو على لسان ميخائيل جالوزين نائب وزير الخارجية الروسي من أي تعاون لاحق بشأن إمداد مولدوفا بآليات عسكرية نوعية.
موسكو تعتبر أن أي خطط لتنفيذ «ضخ متهور» من الآليات العسكرية إلى مولدوفا أو نشر وحدات من حلف الناتو على أرضيها قد يكرر الأزمة الأوكرانية وذلك في إشارة واضحة من الخارجية الروسية إلى استعداد موسكو لفتح جبهات جديدة.
المتتبع لبداية الأزمة الأوكرانية يتأكد له صدق روسيا في وعيدها فقد كان مطلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واضحا قبل تدخل الجيش الروسي في أوكرانيا وقبلها قال القيصر: «لا نريد من الناتو سوى عدم نشر قواته على حدودنا ولن نسمح بذلك».
لم يأبه الناتو – حينئذٍ – إلى تحذيرات بوتين وواصل التعاون مع أوكرانيا بدعم أمريكي، وبموجب اتفاق تم توقيعه لبقاء قواته مدة أطول على أراضيها.. وفي الرابع والعشرين من فبراير الماضي أنفذ بوتين وعيده وأصبحت سماء أوكرانيا تحت قبضة الطيران الروسي.
نفس السيناريوهات ونفس المواجهات المرتقبة وإن اختلف المسميات، فنفس مولدوفا التي طالب وزير دفاعها أناتولي نوساتي، بتعزيز قدرات بلاده الدفاعية. كانت شأنها شأن أوكرانيا جزءا من الاتحاد السوفيتي السابق حتى صدر قرار حله على يد الرئيس السوفيتي ميخائيل جورباتشوف.
المخاوف الأمنية التي تبرر بها مولدوفا مطلبها بشأن تعزيز قدراتها العسكرية.. تحمل موسكو أضعافها جرَّاء دور حلف الناتو مع الدول المناوئة لموسكو.. وحتى الآن بدت آسيا على أعتاب مواجهة جديدة قد تكون تداعياتها أوسع نطاقا حيث تقوم روسيا حاليا بمناورات عسكرية مع الصين وتبدي أهدافها علنا بأنها تريد لجم الدور الأمريكي في آسيا.
«دعم من الناتو.. وشرط روسي يتم تجاهله.. وسكان من أصول روسية» ثلاث معطيات في مولدوفا هي نفس أسباب الأزمة الأوكرانية.. مما ينذر باحتمالية فتح مواجهة جديدة؛ حيث تبدو المواجهة الروسية الأوكرانية مصدر مخاوف مشروعة لشعوب العالم كافة.. فما أن تهدأ وتيرتها حتى تتعقد الأزمة مجددا مع تراجع أصوات العقل المطالبة باحتواء أزمة لن تُبقي حال تفاقمها للبشرية خيرا ولن تذر.