به يرود الفيضان، وتنتج الكهرباء، وبواسطته تدب التنمية.. هو الحلم المؤجل الذى وضع التنزانين خططه فى الستينات من القرن الماضى ليحوله أبناء الفراعنة إلى حقيقة.. هو معجزة مصرية على أرض القارة السمراء، ماذا صنع المصريون فى بلد الـ 120 قبيلة؟
سد يوليوس نيريري والذى تم تسميته على اسم مؤسس تنزانيا الحديثة، هو الإجابة على هذا التساؤل.. فهو يعد دليلا ونموذجا لدعم مصر حقوق الدول الإفريقية ودول حوض النيل في تحقيق الاستغلال الأمثل لمواردها المائية بما لا يؤثر سلبا على حقوق ومقدرات الآخرين.
فهو مشروعا قوميا لأبناء الشعب التنزاني، بسعة تخزينية 34 مليار متر مكعب، وينتج سنويا من الكهرباء نحو ستة ملايين كيلوات/ ساعة، مما يسهم فى رفاهية أكثر من 50 مليون تنزاني يعانون من مشاكل فى الطاقة.
وعلى الرغم من المساحة الضخمة التى يقام عليها السد والتى تبلغ نحو 1200 كيلو متر مربع، احتفل التحالف المصري المكون من شركتي «المقاولون العرب والسويدي إليكتريك بالانتهاء من صب آخر مكعب من الخرسانة المدموكة RCC في جسم السد الرئيسي بتنزانيا، وبالتالي اكتمال الأعمال الإنشائية للسد الرئيسي خلال 687 يوما منذ تحويل مجرى النهر في 18 نوفمبر 2020.
سد يوليوس نيريري هو نجاح مصرى فى القارة السمراء، فمع اكتمال الأعمال الإنشائية للسد الرئيسي، شرع التحالف المصري في التجهيز لبدء احتجاز مياه نهر روفيچي خلف السد، والتي من المقرر لها أن تستمر لمدة حوالي شهرين، وتتضمن التحضيرات لإنهاء تركيبات واختبارات بوابات تصريف المياه العملاقة على ثلاثة مستويات في جسم السد، والتي ستتحكم في توفير الحد الأدنى من التصرفات المائية للحفاظ على البيئة النهرية أسفل السد، كما ستتحكم في تصريف المياه الزائدة في حالات الفيضانات والحالات الطارئة.
ويعد السد الأضخم فى تنزانيا، تحد كبير للقدرات المصرية، حيث يصل السد الرئيسي إلى ارتفاع 190 متراً فوق سطح البحر على قاعدة مساحتها حوالي 20 ألف متر مربع وبطول يصل إلى 1033 متراً عند القمة.
وباكتمال الجسم الرئيسى للسد يكون التحالف المصري قد انتهى بنجاح من صب مليون وأربعمائة وخمسين متراً مكعباً من الخرسانة المدموكة RCC بمعدلات يومية وصلت إلى ثمانية آلاف متر مكعب، بواسطة 2500 مهندس وعامل تقريباً أنجزوا 22 مليون ساعة عمل في السد الرئيسي.
وينتظر تشغيل السد إجراءات هندسية شديدة الدقة لإغلاق نفق تحويل مجرى النهر إيذاناً بالبدء في ملء البحيرة التي ستتكون خلف السد على مساحة حوالي 158 ألف كيلو متر مربع بسعة تشغيلية 32.7 مليار متر مكعب وبسعة قصوى تصل إلى 34 مليار متر مكعب.
وأكد الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان المصرى، أن المشروع يتقدم بنجاح رغم العديد من المعوقات الطبيعية، مستهدفاً اكتمال تركيب واختبار وحدات التوليد الكهرومائية التسعة تباعاً اعتباراً من العام القادم، محققاً حلماً تنزانياً بدأ في ستينيات القرن الماضي، وإيذاناً بتحقيق أهداف المشروع في الوصول لتنمية مستدامة على المستوى القومي في «جمهورية تنزانيا المتحدة» حيث سيضاعف القدرات الكهربائية على الشبكة التنزانية، كما سيتيح التحكم في الفيضانات التي تسببت في إنهاء حياة وفقد الآلاف خلال السنوات المنصرمة.
وسد تنزانيا هو سد على نهر حبيس لا يؤثر على حقوق دول مجاورة مثل سد النهضة الإثيوبى، الذى مازالت أزماته تلقى بظلالها على الواقع العالمى، إذا تستمر إثيبوبيا فى تصرفاتها الأحادية فى ملء وتعلية السد، مع رفض مصرى لمواصلة إثوبيا انتهاك حقوق دولتى المصب
وأكد وزير الخارجية المصرى سامح شكرى خلال كلمته أمام مجلس الأمن، حاجة مصر وإثيوبيا والسودان لإيجاد مخرج من أزمة سد النهضة، ودعا الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى وقف أي إجراءات أحادية بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، مشددًا على أن التصرف الإثيوبى يتعارض مع القانون الدولي، مطالبا بضرورة التوصل دون “تأخير أو مماطلة” إلى اتفاق قانوني ملزم .
كما ناقش شكري خلال لقاءه مع نظيره الكونغولي، على هامش الاجتماع الوزاري التحضيري لمؤتمر المناخ المنعقد في العاصمة كينشاسا تطورات ملف مفاوضات السد الأثيوبي مؤكداً على ثوابت الموقف المصري المتمسكة بضرورة التوصل لاتفاق قانونى ملزم استناداً على قواعد القانون الدولي الراسخة في هذا الشأن.
ومن جانبه أكد الدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن الصور الفضائية، الواردة من السد تظهر استمرار توقف توربيني سد النهضة لافتا إلى أنه من المتوقع توقفهما منذ منتصف أغسطس الماضى.
تأتي العودة المصرية إلى إفريقيا عبر دبلوماسية البناء والمشاركة في مشاريع التنمية، خصوصاً في دول حوض النيل، كمستهدف استراتيجي ذي أولوية، لذا ظهرت شركات بناء مصرية كبرى في كادر البناء ومشروعات البنى التحتية بالقارة السمراء، وظهرت الشراكة المصرية فى دول جنوب السودان وأوغندا وفى كينيا وتنزانيا لتكون رسالة واضحة لإثيوبيا الذى تتعدى به أديس أبابا على الحقوق التاريخية لدولتى المصب مصر والسودان.