هي بمثابة نبض الحياة إلى أوروبا بشكل عام وإلى فرنسا بشكل خاص، أن يتوقف نبض الحياة لا يعني ذلك إلا أن تغادرك روحك إلى مٌستقرها الأخير، فهل تسحب النيجر حبل الحياة من فرنسا؟.. وهل تستسلم فرنسا لتحركات النيجر على خطى بوركينا فاسو ومالي بطرد عناصرها العسكرية، والموالين لها كما خرج آدم من الجنة؟.. حيث ظلت فرنسا سنوات طويلة تحصل على الثروات والطاقة التي جعلت باريس مدينة النور فيما تقبع عواصم بلادهم في الظلام والفقر.. فهل بدأت المواجهة العالمية الثالثة وبدأت شرارتها ويتبقى أن نرى دخانها؟
كابوس فرنسي يضع باريس في مأزق
لم تكن فرنسا تتوقع في أسوأ كوابيسها أن تكون في مثل هذا الوضع السياسي، مشكلات داخلية، وأخرى خارجية تهدد بإظلام مصابيح مدينة النور، وتكتب نهاية تواجدها في القارة السمراء، ولكنه يبدو أن القادة الأفارقة ضاقوا بالوجود الفرنسي على أراضيهم حيث أنه على الرغم من حجم الثروات الطبيعية الضخمة التي تضمها أرضهم يعيشون في ظلام وفقر وجوع فيما تنير ثرواتهم شوارع باريس وتحرك تروس مصانعها، عندما تمد المحطات النووية الفرنسية باليورانيوم اللازم لها.
طرد فرنسا من القارة السمراء
فخلال أقل من عامين وجدت فرنسا نفسها تقف على الحافة يتبقى فقط أن تسقط بعيدا عن القارة السمراء، فتم طرد عناصرها العسكرية من مالي ثم بوركينا فاسو، وخلال الأيام الأخيرة ومع التحرك العسكري في النيجر ضد الرئيس بازوم، وإعلان فرنسا دعمها التدخل العسكري في النيجر لإعادته إلى منصبه، يبدو أن باريس ستواجه المصير ذاته في النيجر، أو ستحول المنطقة إلى جذوة متقدة تصيب ما حولها لتكون بداية المواجهة العالمية الثالثة؟.. ماذا حدث في النيجر جعل الرئيس الفرنسي لا يعرف معنى النوم؟
بداية الأزمة التي كتبت نهاية كل شيء
البداية كانت في 26 يوليو الماضي، مع قيام الحرس الرئاسي في النيجر باحتجاز الرئيس المنتخب محمد بازوم بالقصر الرئاسي في نيامي، ومحاولة الضغط عليه من أجل الاستقالة عن منصبه إلا أن الرئيس بازوم رفض ضغوط محتجزيه.
ومع احتجاز الرئيس، حاصر الجيش في النيجر القصر الرئاسي وأعطى مهلة للحرس الرئاسي من أجل الإفراج عن الرئيس أو التدخل لتحريره، حيث رفض الجيش والحرس الوطني دعم الحرس الرئاسي في تحركه ضد الرئيس بازوم.
تحركات حاسمة في الأزمة
إلا أنه بعد أقل من 24 ساعة عاد الجيش في النيجر في إنذاره وقرر دعم الحركة العسكرية ضد الرئيس المنتخب محمد بازوم وإزاحته عن منصبه.
حيث أعلن قائد الجيش في النيجر، أنه يؤيد العناصر العسكري التي أعلنت استيلاءها على السلطة، وقال بيان وقعه رئيس أركان جيش النيجر عبده صديقو عيسى، إن القيادة العسكرية توافق على إعلان قوات الدفاع والأمن من أجل تجنب مواجهة عسكرية بين مختلف القوات”.
جيش النيجر يقدم مفاجأة ضخمة للعالم
ليكون قرار الجيش في النيجر مفاجأة ضخمة للعالم الذي ندد بما حدث للرئيس خلال الــ24 ساعة السابقة منذ احتجاز الرئيس حيث ندد الاتحاد الإفريقي بالتحرك العسكري المحدود ضد الرئيس داعيا للإفراج عنه، وفي نفس الوقت أظهرت فرنسا موقفها الغاضب من احتجاز الرئيس الموالي لها داعية للإفراج عنه، بالإضافة إلى دول غرب إفريقيا “الإيكواس” التي طالبت بالإفراج عن الرئيس على الفور، فيما عدا بوركينا فاسو ومالي اللتان أكدا تأييدهما للتحرك العسكري ضد “بازوم”.
حيث تحول الأمر من تحرك عسكري محدود وأزمة داخلية يستطيع الجيش بكل سهولة إنهائها بعد محاصرة القصر الرئاسي، إلى تحرك عسكري كامل على الرئيس المنتخب.
ماكرون يوبخ قادة المخابرات
وكان الواقع في فرنسا أكبر من أي دولة في العالم نظرًا للمصالح الضخمة لباريس في النيجر، حيث عبر الرئيس الفرنسي ماكرون عن غضبه من عمل أجهزة الاستخبارات الفرنسية، ووبخ رؤساء وكالات المخابرات بسبب عدم توقع الأحداث العسكرية في النيجر، مؤكدًا أن وكالة المخابرات الخارجية الفرنسية كان عليها أن تتنبأ بالإطاحة بالرئيس محمد بازوم على يد جناح داخل جيشه.
وقال ماكرون: “نيجر بعد مالي، هذا الأمر صعب الأمر يبين أن هناك مشكلة”.
فرنسا تحاول تنقذ ما يمكن إنقاذه
وفي محاولة لإنقاذ الوضع سريعا، تحركت فرنسا في اتجاه دول غرب إفريقيا، في محاولة للتأثير عليها من أجل التدخل لتعديل المسار، وعودة الرئيس المنتخب إلى منصبه وتراجع الجيش عن تلك الخطوة، إلا أن الطرق الدبلوماسية التي حاولت دول غرب إفريقيا السير بها كانت مغلقة تماما ورفض قادة المجلس العسكري في النيجر الاستماع إلى أي حلول ودية.
ولم تجد دول غرب إفريقيا طريقا، سوى إعطاء المجلس العسكري في النيجر مهلة لمدة 7 أيام للإفراج عن الرئيس أو التدخل عسكريا لإعادة النظام الجمهوري بالقوة.
فاجنر تدخل على الخط
ووجد تهديد دول غرب إفريقيا صدى كبير لدى باريس، إذ أعلنت دعمها لأي عمل عسكري في النيجر، لإعادة الرئيس المنتخب، وهو ما قابله المجلس العسكري بالنيجر بالتجاهل التام، وطلب دعم مجموعة فاجنر في حال تدخل الجيش الفرنسي في أراضيه وألغى الاتفاقيات الأمنية مع باريس، كما أنه قرر إغلاق الحدود والمجال الجوي، تحسبا لأي تحرك عسكري.
مالي وبوركينا فاسو يصعبون الأمور على فرنسا
ولزيادة تصعيب الأمور ضد أي تدخل عسكري، أعلنت دولتي مالي وبوركينا فاسو أن أي تدخل عسكري في النيجر، هو تدخل عسكري على أراضيها، لتضع الأمور في أزمة أكبر، إذ أصبح تحالف الإيكواس المنقسم من الأساس بشأن التدخل العسكري في النيجر في جبهة مع فرنسا، والجبهة الأخرى يوجد بها النيحر ومالي وبوركينا فاسو، مع احتمالية وجود قوات فاجنر الروسية، لتكون مواجهة أشبه بمواجهة عالمية ثالثة.
إلا أنه مع انقضاء المهلة الممنوحة من الإيكواس خلال الأحد الماضي، لم تتحرك الأمور باتجاه تدخل عسكري في النيجر التي حافظت على إغلاق الأجواء الجوية، بل تم تأجيل حسم القرار إلى اجتماع لاحق يجتمع فيه قادة إيكواس في نيجيريا.
جيش النيجر يعلن تدخل فرنسا
ويبدو أن فرنسا ضاقت ذراعا بتلكؤ مجموعة الإيكواس، إذ أعلنت النيجر الأربعاء، أن فرنسا اخترقت أجوائها بواسطة طائرة عسكرية قطعت الاتصالات وقامت بتحرير عدد من العناصر لإحداث الفوضى في النيجر، وعلى الفور تم تشديد التحركات في العاصمة نيامي في حال أي تحرك مضاد، فيما حذرت الولايات المتحدة الأمريكية رعاياها بضرورة الاختباء.
وبالتزامن مع اجتماع قادة الإيكواس وترقب لأي قرار بتدخل عسكري، أعلن قادة المجلس العسكري في النيجر عن تشكيل حكومة جديدة، تتكون من 20 وزيراً، عسكرياً ومدنياً، برئاسة رئيس الوزراء الجديد، علي الأمين زين، الذي تولى أيضاً حقيبتي الاقتصاد والمالية.
واقع جديد في النيجر وضع فرنسا أمام المجهول
ليفرض قادة المجلس العسكري في النيجر أمرًا واقعا، فرض على قادة دول غرب إفريقيا الأعضاء في تجمع الإيكواس التراجع عن أي تدخل عسكري مؤكدين مواصلة العمل الدبلوماسي كأولوية أولى في تعاملهم مع ملف الأزمة بالنيجر، وأصاب فرنسا بخيبة أمل كبيرة حيث أن شعبها مهدد بظلام دامس وشتاء أكثر برودة وصناعة قد تفقد الطاقة اللازمة لتستمر عجلة الإنتاج، حيث أن الاقتصاد الفرنسي يعتمد بنسبة كبيرة على النيجر فواحد من كل ثلاثة مصابيح في فرنسا يعمل بيورانيوم النيجر وكما أنه يغطى نحو 35% من احتياجات فرنسا من اليورانيوم، لتكون النيجر كنبض الحياة بالنسبة لفرنسا.
فهل توافق باريس على خسارة النيجر، بعد قرار قادة الجيش بإنهاء كافة الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية معها؟