لم نعد نستطيع التنبؤ برد فعل القاهرة، ونحن على يقين تام بأن المصريين يستحيل أن يتراجعوا لحظة عن حقوقهم أو التفريط في قطرة ماء واحدة، فماذا يخبئ لنا السيسي؟ كانت تلك مسارات الاجتماعات الإثيوبية المنعقدة على أعلى مستوى لبحث تطورات سد النهضة الإثيوبي، لكن ما هي الآلية التي تريدها القاهرة؟
هدوء مشوب بالحذر، وصمت يبدو مريبا من القاهرة، فلا وسائل الإعلام تتناول تطورات الخطر الذي يداهم المصريين من الخارج، ولا صانعو القرار يشيرون إليه من قريب أو بعيد كأنه شيء لم يكن، فكيف شلت مصر سد النهضة الإثيوبي؟
فجأة تحولت الإجراءات المصرية بشأن سد النهضة إلى أساليب غير معلنة زادت الأمر غموضا أمام الجانب الإثيوبي الذي أصبح في حالة ريبة وتربص وبدأت اجتماعات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مع رجال دولته تدرس الموقف الراهن في محاولة للوصول إلى إجابة على تساؤلات ربما تؤدي استحالة إجابتها إلى تحويل النوم إلى المستحيل ذاته على النظام الإثيوبي.
حاولت مصر طيلة فترات بحث أزمة سد النهضة مرارا الوصول إلى الحد الأقصى من الحلول السلمية والتفاوض، وكان واضحا تماما أن القاهرة سيكون لها اليد الطولى في كسر شوكة أي خصم يحاول تهديد حقوقها المائية.
أنهت إثيوبيا إجراءات الملء الأول والثاني والثالث وتتأهب حاليا للملء الرابع لسد النهضة، وحتى الآن لم تتأثر حصة مصر المائية البالغة خمسة وخمسين مليار متر مكعب سنويا قطرة واحدة. وأوفى صانع القرار في مصر بوعده بأنه لن يحدث أدنى تأثر لحصة مصر مهما كان الثمن.
تحاول إثيوبيا مرارا اختبار صبر مصر بإعلانها الاستعداد للملء الرابع لسد النهضة. أمام تحريض متواصل من أقطاب الحزب الحاكم في إثيوبيا ضد مصر واصفين إياها بأنها العدو الأساسي لأديس أبابا. وحتى الآن تلتزم مصر صمتا أربك الجانب الإثيوبي الذي بدأ يدرس الردود المصرية المحتملة في حالة تأثر حصة مصر المائية جرَّاء البدء في الملء الرابع.
لا زالت إثيوبيا تتجاهل حقائق علمية راسخة مفادها أنها تتصدر المركز الأول عالميا في ترسيب الطمي الذي سيؤدي حتما إلى شل حركة التوربينات التي لن تكون قادرة على توليد الكهرباء.
تظهر الصور الفضائية التي التقطتها الأقمار الصناعية أن انتاج الكهرباء من سد النهضة سيكون المستحيل بعينه بعد ظهور تصدعات واضحة في جسم السد، فضلا عن عجز التوربينات المفترض أنها ستولد الكهرباء عن العمل.
منشآت السد الإثيوبي باتت أشبه بسفن صغيرة غارقة محاطة بطمي يحول دون قدرتها على أداء مهامها.. حتى أن القاهرة توصلت إلى قناعة تامة بأن السد الإثيوبي قد يكون مصيره الزوال ذاتيا بعد أن أثبتت تقارير فنية أن عملية إنشائه كانت مغامرة لم تكن إثيوبيا قادرة على خوضها.
تم طرح مسألة العمر الافتراضي لسد النهضة التي قد تقل عن سبعين عاما حال تزايد معدلات الطمي خلف السد، ومقارنتها مع العمر الافتراضي للسد العالي، فيما يرى الخبراء أنه لا مجال للمقارنة بين السد المصري الذي يتجاوز عمره الافتراضي من خمسمائة إلى ألف عام وذلك لعدم وجود مخاطر مرتبطة بالطمي الذي يتم احتجازه في السدود السودانية ومجرى النهر بالسودان قبل تخزين المياه خلف السد العالي، بينما السد الإثيوبي في مواجهة مباشرة مع معدلات إطماء متزايدة.
الخبراء يؤكدون أن آبي أحمد سيجد نفسه في موقف حرج أمام شعبه. فرئيس الوزراء الذي تغنى بإنجازه التاريخي سيجد نفسه يوما بائعا للوهم.