كان صباح السادس من فبراير 2025 مختلفًا في الإسكندرية، المدينة التي طالما تنفست عبق البحر وحملت بين أزقتها أصداء الحضارات والتاريخ. لكن ذلك اليوم لم يكن كغيره، فقد استيقظت المدينة على خبر صادم سيظل محفورًا في ذاكرتها لسنوات طويلة.
الكل بات يتحدث عن “سفاح المعمورة”، ذلك الرجل الذي بدا جزءًا طبيعيًا من المجتمع، بملابسه الأنيقة وحقيبته التي لا تفارقه، والتي لم تكن تحمل أوراق المحاماة فحسب، بل أيضًا أسرارًا أكثر ظلمة مما قد يتخيله أحد.
لم يكن أحد ليصدق أن نصر الدين السيد غازي، المحامي المشهود له بالكفاءة، البالغ من العمر 51 عامًا، والذي وقف مرارًا يدافع عن حقوق موكليه في ساحات القضاء، كان في الحقيقة يخفي بين طيات شخصيته وجهًا آخر.. وجهًا لا يعرف سوى القتل.
البداية كانت عندما تلقى قسم شرطة المنتزه بلاغًا من أحد السكان عن انبعاث روائح غريبة من شقة في الطابق الأرضي بأحد المباني القديمة، في البداية، ظن الجميع أنها مشكلة متعلقة بالمجاري، لكن عندما حضرت الشرطة، تكشفت الحقيقة المرعبة.
عند فتح الشقة، وجد رجال الأمن أنفسهم أمام مشهد مروع، جثث مدفونة في الأرضية بإحكام، ووسط الغرفة أكياس بلاستيكية سوداء، كان واضحا أنها تخفي خلفها سرا شنيعا، وبعد ساعات من الحفر، تم إخراج الجثث واحدة تلو الأخرى، وكانت الصدمة أن الجثث تعود لأشخاص مختلفين، جميعهم تم قتلهم بوحشية لا تتناسب مع مهنة القاتل.
المشتبه به كان واضحا منذ اللحظة الأولى: المستأجر الوحيد لتلك الشقة، المحامي نصر الدين السيد غازي، وعندما أُلقي القبض عليه، لم يحاول الإنكار طويلًا، بل اعترف بجرائمه، وكأنها لم تكن أكثر من مجرد تفاصيل قانونية يراجعها في قضية جديدة.
من هو سفاح المعمورة؟
لم يكن نصر الدين مجرد قاتل عادي، بل كان شخصية معقدة، تتمتع بذكاء شديد وقدرة على التلاعب، وهو ما مكنه من خداع ضحاياه والتخفي لسنوات دون أن يثير أي شبهة.
ولد نصر الدين في محافظة كفر الشيخ، ودرس القانون في كلية الحقوق، حيث تخرج عام 1995 بتقدير جيد جدًا، بعد التخرج، عمل في المحاماة لسنوات، وسافر إلى الأردن والسعودية قبل أن يعود إلى مصر ليكمل مسيرته المهنية.
كان بارعا في الحديث، يستخدم لغة قانونية راقية، ويظهر أمام الناس كمحاي مدافع عن المظلومين، لكن خلف هذا القناع، كان يخطط لجرائم تقشعر لها الأبدان.
كيف استدرج سفاح المعمورة ضحاياه إلى مصيرهم المظلم؟
الزوجة العرفية.. من الحب إلى الموت
كانت الضحية الأولى زوجته بعقد عرفي، امرأة أحبته بصدق، لكنها لم تكن تعلم أن هذا الحب سيكون تذكرتها إلى العالم الآخر.
نشبت بينهما خلافات متكررة، لكنها لم تتخيل أبدا أن النهاية ستكون بهذه القسوة، ذات ليلة، قرر إنهاء حياتها، ضربها على رأسها حتى فقدت الوعي، ثم خنقها ببطء حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.
ولم يكتفي بذلك، بل قام بتغليف الجثة في أكياس بلاستيكية، ودفنها في غرفة داخل شقته دون أن يرف له جفن.
الضحية الثانية كانت موكلته، سيدة لجأت إليه في قضية قانونية، لكنها لم تكن تعلم أنها ستدخل في شبكة قاتل محترف.
نشب بينهما خلاف مالي بعد أن طلبت منه استرداد أموال دفعتها له دون أن يحصل لها على الحكم المطلوب، ولأنها أصرّت على استرداد حقوقها، قرر أن يلجأ إلى “حله الخاص”، فقام بقتلها ودفنها بنفس الطريقة البشعة.
– المهندس محمد إبراهيم.. لغز الاختفاء الذي دام 3 سنوات
أما الجريمة الثالثةلـ سفاح المعمورة ، فكانت أكثر تعقيجا محمد إبراهيم، مهندس اختفى منذ ثلاث سنوات في ظروف غامضة، لكن أحدًا لم يربط اختفائه بالمحامي.
التحقيقات كشفت أن نصر الدين استدرجه بحجة العمل في مشروع قانوني، ثم قتله ودفنه في شقة أخرى بمنطقة العصافرة. المثير أن شقيقته كانت تبحث عنه طوال هذه السنوات، غير مدركة أن القاتل كان يتابع منشوراتها على مواقع التواصل، وربما كان يبتسم بخبث كلما رأت توسلاتها للناس بمساعدتها في العثور عليه.