أزمة سد النهضة من أهم القضايا التي تم طرحها على طاولة المناقشات في القمة الأمريكية الإفريقية، لتقول أمريكا كلمتها السحرية من أجل وضع نهاية للأزمة المستعرة من أكثر من 11 عاما.. ولكن لماذا يجب على أمريكا أن تدخل في الأزمة؟
أظهرت الولايات المتحدة الأمريكية خلال آخر عامين من حكم الرئيس الأمريكى جو بايدن، رغبة كبيرة في الانخراط النشط في قضايا القارة الإفريقية بعد أن كانت ابتعدت عنها لفترة، والتي على رأسها أزمة سد النهضة، والتي كانت فشلت الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة دونالد ترامب في الوصول إلى حل لها.
حيث حاولت إدارة ترامب تقريب وجهات النظر بين أطراف أزمة سد النهضة الثلاث، وصولًا إلى ما يطلق عليه “وثيقة واشنطن” التي كانت بمثابة خارطة الطريق لإنهاء القضايا الخلافية، والتي رفضت إثيوبيا التوقيع عليها في اللحظات الأخيرة في فبراير 2020، في حين لم تظهر إدارة الرئيس الحالي “جو بايدن” الاهتمام الكافي في البداية بتلك القضية الشائكة مع تولي الرئيس الديمقراطي الحكم، لكن كل شئ تغير فجأة.
ولكن لماذا تغير الموقف الأمريكي إلى النقيد من موقف محايد إلى موقف فاعل ومحاولة الوصول إلى حل نهائي لأزمة سد النهضة الممتدة من أكثر من 11 عاما دون حل؟
تسعى أمريكا في الوصول إلى دور البطولة المطلقة في حل أزمة سد النهضة لعدة أسباب من بينها ما فرضه الواقع السياسي وتغير مراكز القوى في العالم، ففي الوقت التي تسعى فيه الولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على نفوذها في العالم، روسيا والصين يؤكدان أن عالم القطب الواحد في في العالم انتهى ولابد من عالم متعدد الأقطاب.
وبالتالي تدخلت أمريكا في القضية للحد من تمدد النفوذ الصيني والروسي في القارة السمراء، واتخذت “إدارة بايدن” عدة خطوات خلال عامي 2021 و2022 لزيادة نفوذها في القارة السمراء، إلا أن الخطوات لم تكن كافية لاستعادة الدور الأمريكي، بدليل تغيير المبعوث الأمريكي الخاص بالقرن الإفريقي ثلاث مرات خلال عام واحد، بعد الفشل في إحداث تقدم في الملفات الموكلة إليهم، والتي كان من بينها ملف “سد النهضة”.
حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية اكتفت خلال العامين الماضيين بمجموعة من التصريحات التي تؤكد على ضرورة التوصل إلى اتفاق بشأن ملء وتشغيل السد، وتطورت التصريحات إلى ضرورة الحفاظ على أمن مصر المائي، لكن دون اتخاذ خطوات مشابهة لما قامت به إدارة “ترامب” لدفع جميع الأطراف نحو توقيع اتفاق ملزم.
ولأن قضية السد الإثيوبي ترتبط ببعدين رئيسين لخطط واستراتيجيات دول القارة، أحدهما تنموي والآخر يمس السلم والأمن، فإن طرحها أمام قادة أفريقيا أثناء انعقاد القمة الأمريكية الأفريقية والبناء على ما تم التوصل إليه في يناير وفبراير 2020 من شأنه أن يمنح الولايات المتحدة أفضلية مقارنةً بالصين وروسيا في ذلك الملف.
فإذا كانت الاستثمارات والمساعدات الأمريكية تكافئ تلك التي تقدمها الصين لدول أفريقيا، فإن لعب دور الوساطة وتقديم الحلول لقضايا تؤثر على مصالح جميع الدول في المنطقة مثل قضية السد الإثيوبي من شأنه أن يؤكد على فعالية الدور الأمريكي واستعادة التأثير في القارة.
ومن الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة الأمريكية تدخل بسرعة لإنهاء تلك الأزمة بعيدًا عن تقويض الدوري الصيني في القرن الإفريقي، أيضا الحفاظ على علاقتها الجيدة مع أحد مصر أحد أهم حلفاؤها في المنطقة في الوقت الذي تخسر فيه أمريكا حليفها الأكبر السعودية على الجانب الأخر من البحر الأحمر لصالح الصين.
وبالتالي فإن خسارة مصر أيضًا لصالح الصين وكذلك دولتي الصين وإثيوبيا يعني خسارة كبيرة للجانب الأمريكي.
وسبب آخر يجعل إدارة بايدن تحرص على سرعة التدخل في أزمة سد النهضة، هو الحفاظ على الوضع الأمني في القارة لاسيما أن أي توتر بسبب المياه في القرن الإفريقي سيسبب أزمة كبيرة للولايات المتحدة لاسيما دورها في مواجهة الجماعات التي تحمل المعدات العسكرية وتحمل أفكار غير تقليدية تستهدف من خلالها المدنيين، لاسيما أن إثيوبيا ومصر من أهم القوات العسكرية التي تواجه تلك الجماعات وبالتالي فإن أي أزمات عسكرية ستنشب ستؤثر بالسلب على مواجهة تلك الجماعات وبالتالي سيخلق لها حاضنة كبيرة تهدم كل ما تحقق خلال السنوات الماضية.
سد النهضة هو المفتاح الذهبي للولايات المتحدة الأمريكية للنفاذ داخل القارة من جديد التي تحولت دفتها إلى معسكري موسكو وبيكن مع تعهد الصين بضخ 40 مليار دولار لتمويل الدول الإفريقية في نوفمبر 2022، وتعهد موسكو بتقديم القمح مجانا أو بأسعار خاصة لدول القارة الفقيرة.. فهل تنجح واشنطن في إيجاد الحل؟