مقدمات تقود إلى نتائج، أزمات تؤدي إلى أزمات أكبر، هكذا هو الحال فى سوق الغاز، فمع أزمة توريد الغاز عبر أنابيب نور ستريم 1 ونورد ستريم 2، فكان على الدول الأوروبية البحث عن سبل أخر لتوفير وارداتها من الغاز لتعويض ما فقدته من موسكو التى تمدها بـ 40 % من احتياجاتها، وهنا كانت الأزمة الأكبر، فى سبيل محاولة القارة العجوز فطم نفسها عن الغاز الروسي.
تمر الدول الأوروبية، بأصعب لحظاتها مع اقتراب الشتاء، حيث تسابق الزمن من أجل توفير احتياجاتها من الطاقة، بعد أن فقدت الغاز الروسى الذى كان يؤمن 40% من احتياجاتها، ولجأت إلى طرق بديلة فكثفت مشترياتها من الغاز المسال من الولايات المتحدة وقطر ومصر ومصادر أخرى.
إلا أن أزمة الطاقة تسببت فى إشعال صراع جديد بمحيطات وبحار العالم، وأطلقت العنان لمعركة عالمية على ناقلات الغاز الطبيعي، مما أدى إلى نقص السفن وزيادة الأسعار القياسية للوقود.
فأدى التدافع على حجز ناقلات الغاز إلى زيادة الطلبات على الناقلات الجديدة التي تنقل الغاز الطبيعي المسال وهى سفن متخصصة بطول ثلاثة ملاعب كرة قدم، وقفزت أيضاً أسعار استئجار الناقلات الحالية، مما ساعد في دفع أسعار الغاز إلى مستويات قياسية في أوروبا وآسيا.
كما وضعت الصين أوروبا فى أزمة حقيقية، فلم تعد هى اللاعب الوحي فى السوق، حيث يتوقع التجار ارتفاع أسعار الغاز ومعدلات الناقلات إلى مستوى أعلى إذا عاودت الصين أنشطتها بشكل كامل قبل الشتاء.
وبالتالى اشتعل سباق تأمين الناقلات فى السوق، وبالتالى تكثيف المنافسة على إمدادات الطاقة الضيقة، فعلى نحو فعال لديك عروض أسعار من أوروبا وآسيا ضد بعضهما بعضًا فتدعم السوق صعودًا”.
ودليل على الأزمة الحالية، فإن ناقلة واحدة فقط للغاز الطبيعي المسال متاحة للاستئجار لرحلة واحدة في آسيا بعد شهرين أو أكثر من الآن، و”لا شيء متوفر في المحيط الأطلسى، ، حيث تتسابق الحكومات لملء مرافق التخزين قبل موسم التدفئة.
ووسط اندفاع الغاز، ارتفعت أسعار الإيجار اليومي للناقلات الحالية التي سيحصل عليها التجار إلى 105.250 ألف دولار في اليوم، بعد أن كان نجو 64 ألف دولار.
ويتوقع المحللون والتجار، انتعاش سوق ناقلات الغاز، فحجزت الشركات التجارية العديد من القوارب على أساس طويل الأجل للتأكد من قدرتها على نقل الغاز الطبيعي المسال.
كما يتسابق التجار على شراء ناقلات الغاز حيث تم إنفاق 24.1 مليار دولار على طلبات ناقلات الغاز الطبيعي المسال الجديدة، ويوجد حالياً 257 سفينة في دفتر الطلبات على مستوى العالم.
ويبدو أن انتعاش سوق ناقلات الغاز انتقل أيضًا إلى المصنعين، فشركات صناعة السفن في كوريا الجنوبية، وهي أكبر منتج لناقلات الغاز الطبيعي المسال في العالم، لا تتمتع بسعة مجانية للطلبات الجديدة حتى عام 2027.
وارتفعت أيضًا أسعار البناء الجديد لناقلات الغاز من 240 مليون دولار للسفينة من 190 مليون دولار قبل عام، لاسيما أنها أصبحت أهم قطعة فى سوق الطاقة فلا يمكن نقل الغاز من دونها لاسيما فى ظل عدم وجود أنابيب لنقل الغاز فى حالته الطبيعية من الدول المنتجة إلى أوروبا وآسيا، وبالتالى كان لابد من تحويله إلى الشكل السائل واستخدام الناقلات.
ومن المعروف أن إنتاج الغاز الطبيعي المسال، يتم تبريده إلى 260 درجة فهرنهايت تحت الصفر ويتقلص إلى سائل يمكن تخزينه وشحنه إلى المحطات، وفي الجهة الأخرى المستوردة يعاد إلى حالة الغاز ويستخدم لتزويد المصانع بالطاقة وتدفئة المنازل.
وظهرت ملامح الأزمة المقبلة، عندما فى شكوى الرئيس الفرنسى ووزير الاقتصاد الألمانى، من ارتفاع أسعار الغاز الأمريكى بما يصل 4 أضعاف، ووجه ماكرون رسالة قوية لواشنطن خلال تجمع جماهيرى لأنصاره أنهم لا يستطيعون مواصلة دفع سعر الغاز مضاعف 4 مرات، فيما قال وزير الاقتصاد الأمريكى أن ما تفعله واشنطن ليس تصرف الأصدقاء.
نتيجة للسباق المحموم على الغاز المسال كانت هناك معركة فى ميدان آخر وهو توفير وسيلة النقل، مما أدى إلى نتائج أخرى قد تتسبب فى انهيار سوق الطاقة لاسيما إذا كانت تكاليف النقل أعلى من تكلفة الغاز.