أضاعت الأزمة السياسية في العراق، التي أنتجتها الانتخابات المبكرة منذ إجرائها في الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، طريق البلاد نحو الاستقرار السياسي والاقتصادي، الذي تأثر بشكل كبير منذ 11 شهراً على ولادة الانسداد السياسي، وازدياد انعدام الثقة بين الأطراف والقوى المشاركة في النظام الحالي بعد 2003.
وعلى الرغم من الحراك السياسي الذي يدور حول دائرة ضيقة لا تؤدي في النهاية إلى حلول جذرية تنتج معادلة جديدة هدفها الاستقرار بعد كل انتخابات، تتحرك الأطراف السياسية إلى سباق انتخابي جديد بعد تشكيل حكومة موقتة تمهد لذلك، لكن ذلك الطريق لن يكون خالياً من المعوقات.
لكن يبدو أن أزمة أخرى تحلق في الأفق قريبا، قد تتسبب في نتائج لا يحمد عقباها، فلا تزال الخلافات العميقة مستمرة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في العراق، “الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني”، في شأن المرشح لمنصب رئيس الجمهورية منذ نحو 11 شهراً، على رغم الحديث المتقطع عن وجود تفاهمات لم تخرج باتفاق يضمن تصويت الطرفين لمرشح واحد.
ففي الوقت الذي حسمت كتلة “الإطار التنسيقي” مرشحها لرئاسة الحكومة العراقية المقبلة، بترشيح النائب محمد شياع السوداني، فشل الحزبان الكرديان، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، في الاتفاق على مرشح كردي واحد لمنصب رئيس الجمهورية.
وترى قيادات حزبية كردية أن المفاوضات السياسية الجارية بين الحزبين تسير نحو كيفية جلب مكاسب للإقليم من الحكومة الاتحادية المقبلة، وعدم تشظي القرار السياسي الكردي في بغداد، كما حصل في الدورة النيابية السابقة، مؤكدين أن الطرفين اتفقا بشأن إقرار قوانين خاصة بكردستان، لكنهما أخفقا في التواصل لمرشح تسوية للمنصب الرئاسي الأول في البلاد.
وينقسم الحزبان الكرديان الحاكمان في إقليم كردستان العراق، بشأن المرشح الرئاسي لمنصب رئيس الجمهورية، حيث يرفض الحزب الديمقراطي الكردستاني، تسلم غريمه الكردي المنصب للمرة للخامسة، منذ أول انتخابات جرت في عام 2005. بينما يحاول الاتحاد الوطني الكردستاني، التمسك بآخر ما تبقى له من المناصب الرئاسية التي تضم رئاسة الحكومة والبرلمان وإقليم كردستان.
ويرفض زعيم “الديمقراطي الكردستاني” مسعود بارزاني، الذي فشل بتمرير مرشحه ريبير بارزاني للمنصب، بعد تحالفه السابق مع التيار الصدري وتحالف السيادة، التجديد للرئيس المنتهية ولايته برهم صالح، مرشح الاتحاد الوطني، وحليف قوى “الإطار التنسيقي”.
يحاول الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة بافل طالباني، التمسك بما تبقى له من المناصب الرئاسية في العراق، بعد منح رئاسة الحكومة لـ”الإطار التنسيقي”، ورئاسة البرلمان لـ”تحالف السيادة”، فضلًا عن سيطرة “الديمقراطي الكردستاني” على منصبي رئيس كردستان، وحكومة الإقليم.
وحسب العرف السياسي الجاري منذ العام 2003، بات منصب رئيس الجمهورية من حصة المكون الكردي، ورئاسة البرلمان من حصة المكون السني، بينما ذهبت رئاسة الحكومة إلى الشيعة بوصفهم أغلبية سكانية.
وحسب تصريحات صحافية، يقول محمود خوشناو، قيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، إنه كان يتمنى أن يصل الحزبان الكرديان إلى مرشح تسوية أو توافقي للذهاب إلى البرلمان الاتحادي، بموقف واحد، لكن الواقع يقول إن حزبنا لم يصل إلى أي اتفاق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني على المرشح الكردي لمنصب رئيس الجمهورية”.
ويضيف أن حزبه “جاد في إيجاد حل للانسداد السياسي العراقي العام، والكردي الخاص، لكن البحث يكون دائما عن التوازن السياسي أثناء المفاوضات”، مبينا أن “الحزبين في طور معالجة المسائل الخلافية في إقليم كردستان”.
من جهته، أكد الحزب الديمقراطي الكردستاني، ما ذهب إليه الاتحاد الوطني، بعدم التوصل لمرشح واحد لمنصب رئيس الجمهورية، مشيرا إلى أن مجمل الحوارات الجارية بين الطرفين يصب في معالجة الأمور الداخلية والمعنية بالواقع السياسي داخل الإقليم، وليس خارجه.
ووفقا لمحمد زنكنة، عضو الحزب الديمقراطي، فإن “الحوارات الجارية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، تدور حول دستور إقليم كردستان، ومسألة مفوضية الانتخابات في الإقليم، وكيفية دورها خلال انتخابات البرلمان الكردي، فضلا عن رئاسة إقليم كردستان”.
وأضاف عضو الحزب الديمقراطي أن “الجانبين بدآ يناقشان آلية جديدة لانتخاب رئيس إقليم كردستان، بعدما كان ينتخب مباشرة من قبل الشعب الكردي”، موضحا أن “النقاش الجاري حاليا بشأن انتخاب رئيس الإقليم مباشرة من الشعب الكردستاني، أم ينتخب في داخل البرلمان؟ وما هي صلاحياته؟”.
وتابع قوله “إذًا كل هذه المواضيع مجتمعة هي محور الاجتماعات بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني، في الوقت الحالي، ولم نصل لاتفاق بشأن منصب رئيس الجمهورية”، مؤكدا أن “الطرفين أكدا على ضرورة توحيد الموقف الكردي في البرلمان الاتحادي”.
ومن المؤمل أن يشهد إقليم كردستان العراق، في أكتوبر المقبل، انتخابات عامة، حيث يتم انتخاب رئيس الإقليم، والبرلمان معا، إلا أن ترجيحات بتأجيل الاقتراع لغاية حسم الإجراءات القانونية، والتوافق السياسي بين القوى النافذة هناك.. فما الذي ستشهده الأيام القادمة؟ وهل نرى تدخلا عربيا أو أمميا لتقريب وجهات النظر؟ والمساهمة في ترتيب البيت العراقي لضمان استقراره؟ وبالتالي استقرار المنطقة؟