كأن 100 عام من الخلاف لم تكن كافية لتنهى النزاع بين أذربيجان وأرمينيا بشأن أزمة ممر زنغزور، تلك الأزمة الممتدة منذ عشرينيات القرن الماضى، والتى أطلت بوجهها القبيح من جديد لتخرج النار من تحت الرماد وتشتغل الأزمة مجددا وتضع القارة العجوز فى موقف صعب.. فما هى القصة؟
أزمة قديمة جديدة، مرور السنوات لم يكن كافيا لتنتهى أجيال وراء أجيال ومازالت النار تحت الرماد، تخرج إلى العلن أحيانا وتخبوا أحيانا إلا أن جذور الأزمة الحقيقية لم يتم حلها.
فتتمسك أذربيجان بحقها فى منطقة ممر زنغزور، لاسيما أنها كانت منطقة أذربيجانية يسكنها مسلمون أتراك، قبل أن يضمها الاتحاد السوفيتي إلى أرمينيا في عشرينيات القرن الماضى، فيما تتمسك أرمينيا بأرضها ليستمر ممر زنغزور اليوم موضع الخلاف الرئيسي بين باكو ويريفان.
خلق الاتحاد السوفيتى الأزمة ووضع الدولتين فى حالة تأهب مستمر للصراع، فتلاعب بالحدود وسكانها كالشطرنج، فضم الأقلية الأرمينية قاطني إقليم كاراباخ داخل حدود أذربيجان، جعلت كل ما يحيط بالإقليم خاضعًا لأذربيجان، وفي المقابل عزل الاتحاد السوفيتي الأقلية الأذربيجانية التي تقطن إقليم ناختشيفان داخل أرمينيا، ومنح الاتحاد إقليم كاراباخ حكمًا ذاتيًا، الأمر الذي يمكن وصفه بأنه قد أشعل فتيل الأزمة بين البلدين.
واستعرت الأزمة مجددًا مع رغبة أذربيجان في إقامة ممر عبرها إلى منطقة نخجوان، وهو ما ترفضه أرمينيا بشكل قاطع، ليتحول مشروع هذا الطريق إلى واحد من أكثر القضايا الخلافية بين أرمينيا وأذربيجان منذ الخلاف الأخير عام 2020، حيث تتهم باكو على الدوام أرمينيا بالتنصل من التزاماتها بإنشاء طريق نقل يعبر تلك المنطقة، الذي من شأنه أن يربط مقاطعة “نخجوان” الأذربيجانية ببقية أذربيجان عبر جنوب أرمينيا، إذ إن المقاطعة الصغيرة معزولة عن بقية البلاد، فيما أعلن “نيكول باشينيان” قبل أيام أن أرمينيا لن تسمح لأذربيجان بأن يكون لها “ممر” عبر الأراضي الأرمينية.
وخوفا من الانتقال إلى تتطور الأوضاع إلى نقطة اللا عودة، أبدت الأطراف الدولية قلقها من تصاعد الأمر بين البلدين ودعت روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لضبط النفس، كما سعت موسكو للتوسط السريع لعقد هدنة، لكن لم يتم الالتزام بها.
كما يتخوف الاتحاد الأوروبي من مخاطر تعطيل خطوط إمداد الطاقة في الأراضي الأذربيجانية، فى ظل أزمة طاقة طاحنة تعانى منها القارة العجوز.
ومع هذا يمكننا فهم طبيعة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان بشكل واضح فهو خلاف عرقي قومي تسببت فيه أطراف خارجية، وفاقمته محاولات التغيير الديموغرافي والترسيم الجغرافي المتعسف، والذي هدف على الأرجح إلى تقسيم دولها على أساس هش يجبرها على الاستناد بشكل مباشر إلى روسيا، وباقي القوى الإقليمية في المنطقة.
على الرغم من التاريخ الطويل فى الخلاف بين البلدين، إلا أن توقيت اشتعال الموقف حاليا يجعل من الصعب التباطؤ في البحث عن حل سياسي، لغلق الطريق أمام مغامرات غير محسوبة من جانب الطرفين، لاسيما فى ظل أزمة الطاقة الكبيرة التى تعانى منها أوروبا نظرًا لما تمثله خطوط إمدادات الغاز الأذربيجانية لأوروبا من أهمية في الوقت الحالي.