كسرت «رباعيات نوستراداموس» حاجز العرافين لترسم مستقبل العالم برؤية بدت فلسفية. ووضعت العالم في حيرة من أمره. بعد أن أرسى صاحبها توثيقها بطريقة يصعب القَدْحُ فيها. فيما يرى مؤيدو صاحب تلك التنبؤات أن الواقع أيدها وأنه لا مجال للتهرب من الأحداث السلبية التي تحيط بمستقبلٍ غامضٍ لعالمٍ مضطرب.
«بحلول عام ألفين وثلاثة وعشرين سيكون العالم على موعد مع قدره المحتوم الذي لا فِكاكَ منه جرَّاء المواجهة الشاملة».. كانت تلك الكلمات مجرد حبر يتدفق من محبرة على طاولة الفيلسوف الفرنسي نوستراداموس- قبل خمسمائة عام من الآن – ، لكن العديد من الأحداث المصاحبة لتوصيفات الرجل ربما تضع العالم أجمع في حيرةٍ من أمرِه.
حمل الفرنسي نوستراداموس المولود عام ألف وخمسمائة وثلاثة. في سان ريمي دي بروفانس جنوبي فرنسا العديد من الألقاب ما بين «منجم» و «عالم فلك»، إلا أنَّ أكثرَها احتراماً لما ذهب إليه من تحليلات بشأن مستقبل العالم هو لقب «الفيلسوف»، الذي أطلقه عليه مؤيدوه.
يعود سر تسمية تنبؤات نوستراداموس، باسم «الرباعيات»، إلى قيامه بعرضها بصورةٍ مغايرةٍ لتلك التي يروجها العرَّافون حيث وثَّقها الفيلسوفُ الفرنسيُّ هديةً للعالمِ في قَالَبٍ شعري وقصائد تضم كل منها. أربعة أبيات مزج فيها الرجل بين التنبؤات والعرض الأدبي المشوق. لكن مع استمرار المواجهة الروسية الأوكرانية وقرب دخولها شهرها التاسع تكون التنبؤات التي وضعها نوستراداموس حلقة جديدة من حلقات الخوف التي تهدد العالم بالزوال.
«لا تحسبوها دجلاً أو رجما بالغيب».. إلى تلك النتيجة خلص مؤيدو نوستراداموس، الذين يرونه فيلسوفاً كبيراً لا يُشق له غبار. إنه أسس تلك التنبؤات على منطق يتسق مع العقل والبراهين التي لم يفصح الرجل وقت كتابتها عن تفاصيلها، لكن كثيراً من الأحداث التي توقعها بشأن عقود ماضية أصبحت واقعاً على الأرض. ذلك الواقع الذي فاجأ مهاجمي الرجل حيث وقعت المواجهة العالمية الثانية وطُويت صفحةُ زعيمٍ ألمانيٍ هدَّدَ جميعَ أعدائِهِ وفرَضَ قبضته الغاشمةَ على شعبِه، كما رحل عن الحكم والدنيا أيضًا الرئيس الأمريكي جون كيندي ووقعت أحداث مركز التجارة العالمي في الولايات المتحدة تماماً كما تنبأ الرجل. فماذا بعد؟
«إنها سبعة أشهرٍ عِجافٍ من المُواجهة العظيمة، وسيرحلُ الناسُ عن الدنيا بسببِ الشر».. كان ذلك شطراً في قصيدةٍ وصف بها الفيلسوفُ الفرنسيُّ الأحداثَ الأهمَّ المرتقب حدوثُها في العام الجديد ألفين وثلاثة وعشرين؛ ليفصح الفيلسوف الفرنسي عن مواجهةٍ عالميةٍ ثالثةٍ. يرى مؤيدوه أنَّها واقعةٌ لا محالة في ظل المواجهة الروسية الأوكرانية الراهنة وما يكتنف العالمَ من عملياتِ استقطابٍ تديرُها الدول الكبرى وحلف شمال الأطلسي «الناتو» بخططٍ مدروسة.
«سترتفعُ مكاييلُ القمحِ لتكونَ عاليةً جداً.. وسيأكلُ ذلك الرجلُ رِجلَه».. نبؤةٌ أخرى يسوقها الفيلسوف الفرنسي نوستراداموس، بشأن الغلاء المتوقع في عام ألفين وثلاثة وعشرين. ذلك الغلاءُ الذي طال الغذاء والوقود. والأشد عجباً من تلك القصيدة أنَّ لها ما يؤيدها على أرض الواقع في ظل الصراع المتلاحق بشأن أسعار النفط وتمسك دول منظمة أوبك بتثبيت أسعاره عالميا؛ حِفاظاً على مكاسبها، فضلاً عن ارتفاع أسعار الحبوب والأعلاف على المستوى العالمي جرَّاء الأزمة الأوكرانية حيثُ تعرَّضت سلةُ غذاءِ العالمِ لمواجهةٍ لم تكن في الحسبان.
التغيرات المناخية وقضية الانبعاثات وتداعياتها على مستقبل المحاصيل الزراعية، أيضا كانت حاضرة بقوة في نبوءات الفيلسوف الفرنسي نوستراداموس، الذي كتب منذ خمسة قرون من الزمان يقول: «سوف تنمو الأرض الجافة أكثر.. وسوف تكون هناك فيضانات عظيمة»، وها هو العالم يستصرخ الدول الصناعية الكبرى ومنظمة الأمم المتحدة بضرورة الإسراع بتنبي جهود جماعية لخفض الانبعاثات ولجم جماح التلوث التي أفسد البر والبحر.
خلاصةُ نبوءات الفيلسوف الفرنسي نوستراداموس أن العالم يذهب إلى نهاية محتومة، ورغم جدل دائر بشأنها بين مؤيد يبرر صدق تلك التنبؤات اتساقا مع أحداث الواقع، وبين رافض لها يراها رجما بالغيب.. بات العالم أحوج ما يكون إلى سلام يشمل ربوعه كافة بإطفاء الصراعات المتأججة والوصول إلى حلول سياسية تضمن للإنسانية بقاءها قبل أن تدفع حماقات الداعمين للصراعات البشرية إلى زوال لن يسعد به مؤيدو تلك التنبؤات لأنها ستنطبق عليهم شأنهم في ذلك شأن سائر الإنسانية.