«قررنا توجيه رسالة إلى الخصوم».. بذلك التصريح شديد اللهجة من واشنطن أفصحت وزارة الدفاع الأمريكية عن أسباب الدفع بغواصة نووية في أعماق المحيط الهندي تزامنا مع تطورات متلاحقة في العديد من المناطق التي تعتبرها الولايات المتحدة «بؤر توتر».
تختلف مستويات القدرات الدفاعية المستخدمة في أي مواجهات محتملة أو قائمة بناء على تقييم المخاطر وممارسات الخصوم وقدراتهم على توفير ترسانة عسكرية قادرة على الحسم. ويشير الخبراء إلى أن تقييم مستوى الخطر المحتمل يعد المحور الأساسي في إصدار أي قرار بشأن مستوى الآليات العسكرية المستخدمة أو التي سيتم استخدامها مستقبلا ولو على سبيل الردع وكبح تقدم الخصم.
ترى الولايات المتحدة أن تأمين مصالحها العليا لا يرتبط فقط بقدراتها العسكرية على تأمين الحدود الأمريكية أو تحييد مستوى المخاطر القريبة من الأراضي الأمريكية، وإنما تقوم رؤية واشنطن على ضمان توفير إمدادات مناسبة تضمن لها الحفاظ على مصالحها خارج حدودها بتوفير الدعم العسكري للحلفاء في مختلف المناطق حول العالم.
ورغم الإجماع الدولي على استمرار التعامل مع القدرات النووية باعتبارها قوة ردع أو آلية تضمن فرض الشروط في أي خلاف سياسي، إلا أن القوى الكبرى بما فيها الولايات المتحدة والصين وروسيا التي دخلت نزاعا يطول أمده مع أوكرانيا، ترى أن استخدام تلك القدرات من عدمه مرهون بمدى حماية المصالح العليا لها. وأن أي تهديد يتعلق بأمن تلك الدول ذات التوجهات المتباينة وحلفائها يستدعي بالدرجة الأولى استدعاء قدراتها الخاصة.
مؤخرا أفصحت الولايات المتحدة عن مخاوفها بشأن مصالح الحلفاء في منطقتي المحيط الهندي والمحيط الهادئ. إذ تخشى واشنطن تنامي القدرات العسكرية الصينية من وقت إلى آخر، ولم تعد اللقاءات الرئاسية الخافتة والتي تحدث بين فترة وأخرى بين رئيس أمريكي وآخر صيني ضمانة لإعادة صياغة العلاقات الصينية الأمريكية على نحو جديد.
يؤكد حقيقة المخاوف الأمريكية بشأن مصالح واشنطن والحلفاء التوجهات الجديدة لوزارة الدفاع الأمريكية حيال منطقة المحيط الهندي التي تريد واشنطن الوصول إلى معدلات سيطرة عالية بها بالتزامن مع النفود الصيني المتصاعد.
مؤخرا أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن الولايات المتحدة لديها غواصة نووية تتواجد في الوقت الراهن في مياه المحيط الهندي.. إلى هنا يبقى تصريح البنتاجون عاديا إذ اعتادت الولايات المتحدة نشر قواتها العسكرية في مختلف قواعدها حول العالم وفي الدول التي تحتفظ واشنطن معها بعلاقات استراتيجية ترقى إلى مستوى التحالف.
لكن اللافت للنظر هذه المرة أن البنتاجون أعلن أيضا أن الدفع بمثل تلك الغواصة النووية إنما يمثل رسالة واضحة إلى من وصفهم بـ «الخصوم». وذلك دون أن تحدد الوزارة المقصود بالخصوم. لكن التقديرات تشير إلى أن واشنطن تنظر بعين القلق إلى النفوذ العسكري الصين الذي أثبتت النزاعات بشأن تايوان تواجده بقوة وخصوصا على المستوى البحري.
تتفق الولايات المتحدة مع رؤية الدول صاحبة التحفظات على تنامي القدرات العسكرية الصينية، حيث ترى الهند التي لم تعلن موقفها من الصراع «الصيني – التايواني» – حتى الآن – أن لديها مع الجانب الصيني حدودا جبلية مشتركة تتطلب الحذر في التعامل مع الجارة القوية.
تراقب الولايات المتحدة عن كثب. خطط الصين الهادفة إلى دعم جيشها والوصول به إلى ترتيب دولي متقدم يضمن له حسم أية حروب إقليمية مستقبلية لصالح بكين، وذلك بالتزامن مع مخاوف أمريكية قائمة جراء الحرب الروسية الأوكرانية. تلك الحرب التي دفعت بكين – بحسب تقارير أمريكية – إلى تقديم الدعم إلى روسيا.
الخبراء يشيرون أيضا إلى أن التواجد الأمريكي في المحيط الهندي لا يمكن تناوله بمعزل عن قضية بحر الصين الجنوبي في ضوء موقعه، حيث يقع بحر الصين الجنوبي في جنوب بر الصين، لكنه يرتبط في ذات الوقت عبر المضايق والممرات المائية الضيقة، بالمحيط الهادئ شرقا وبالمحيط الهندي غربا.
كما يعد بحر الصين الجنوبي بمثابة بحر شبه مغلق يمتد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي ويستند بحر الصين الجنوبي إلى بر الصين وجزيرة تايوان شمالا، وهو ما يفسر إصرار الولايات المتحدة على دعم سيطرتها في تلك المواقع.
فهل أصبح العالم على أعتاب مواجهات محتملة؟ أم أنه يسمح للحلول السياسية بأن تعلو أصواتها درءا لأخطار لن تجني البشرية منها سوى مزيد من المعاناة؟ وحدهم القادة يمكنهم الوصول إلى إجابة مباشرة.