لطالما تردد على مسامعنا منذ القدم المثل القائل «حكم قراقوش»، الذي يضرب للتدليل على جور الحكم وجبروت القاضي أو الحاكم، ولهذا يحتج الشخص الذي يحس بأنه قد ظلم في أمر ما، بتشبيه مصيره بـ«حكم قراقوش»، كما أنه يقال لكل شخص صاحب جاه وسلطة، يمارس غروره على الآخرين أنه شبيه «قراقوش»، ولكن الكثيرين منا قد لا يعرف من هو «قراقوش»؟ وهل هو شخصية حقيقية أم مختلقة؟ وهل قصته فعلاً مرتبطة بالظلم أم أنها ككثير من القصص، بها بعض التدليس والتحويرات التاريخية التي يقوم المجتمع عبر العصور بإنتاجها، سأحكي لكم حكايته
تشير المصادر التراثية إلى أن «قراقوش» شخصية حقيقية، وقد كان أحد وزراء صلاح الدين الأيوبي في مصر، بل إنه ركن من أركان توطيد حكمه، واسمه «بهاء الدين قراقوش».
فقد كان هذا الشخص في البدء غلاماً مملوكياً، يقال إنه من أصل تركي دون تحديد واضح لهويته، وقد تدرج بجده واجتهاده إلى أن صار قائداً عسكرياً في بلاد الشام ومن ثم في مصر التي وصلها مع بزوغ فجر الأيوبيين وحكم صلاح الدين، وقد اعتمد عليه صلاح الدين الأيوبي، على تثبيت دعائم الدولة وإنهاء الفوضى التي عمّت مصر بعد وفاة الخليفة العاضد.
وينسب له أنه بنى السور المحيط بالقاهرة وقلعة الجبل، وقناطر الجيزة، وقد كان نائباً لصلاح الدين في شؤون الحكم بالديار المصرية وفي تدبير الأحوال، ويقال إنه كان حسن المقاصد إلا أنه شديد الحكم ويأتي حكمه بطريقة غير تقليدية.
وقضى «قراقوش» قرابة ثلاثين سنة يخدم صلاح الدين وابنيه، لترتبط صورته لدى العامة بالأحكام الغريبة والمدهشة، وقد تم تناقل الكثير من تراثه في القضاء والحكم إلى اليوم لما فيه من نوادر وطرائف.
ولم يُعفَ من الحكم إلا مع عهد الملك العادل شقيق صلاح الدين، ولزم بعدها بيته إلى أن توفي عام 1201م، ويصفه البعض بـ«الديكتاتور»، ويصفه آخرون بـ«العادل» غير المألوف في حكمه، ولذلك فإن صورة «قراقوش» إلى اليوم تباعدت بين الحقيقة والوهم وصار أسطورة لحد ذاتها، يمكن أن تقرأ بأكثر من وجه.
وظلت هذه الأحكام يتناقلها الناس ويزيد عليها البعض بمواقف نسبت له حيث أصبحت تطلق مقولة حكم قراقوش على كل حكم ظالم غير معقول، وهذه على عكس حقيقة بهاء الدين قراقوش الذي نسبت إليه هذه الأقوال، وقد حصل على لقب الأمير ونال ثقة الحكام فى مصر والشام ومد جسره إلى الآثار الباقية حيث أنشأ القلعة والسور بالقاهرة، رغم ذلك لم يسلم من الادعاء حوله.