خالد بن الوليد القائد الذي فاز بمدح النبي واضطهده عمر بن الخطاب

هو واحد من أعظم القادة المسلمين الذين كلفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهام صعبة، لثقته فيهم ومعرفته بقدراتهم الفذة وشجاعتهم وبسالتهم، استطاع هذا القائد والصحابي أن يحفر اسمه بحروف بارزة في التاريخ الإسلامي ، ليترك وراءه العديد من الألغاز والأسئلة حول قيمة البطولة والبسالة والشجاعة إذا لم يرحل الشخص بالطريقة التي يحبها ، كما تركت بعض الأحداث أسئلة كثيرة حول علاقة خالد بن الوليد بعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وسبب غضب عمر من خالد لدرجة انه اشتكاه لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فعاتب أبو بكر قائد الجيش

قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ” نعم عبد الله خالد بن الوليد فهو سيف من سيوف الله ” – رواه الألباني في صحيح الترمذي، فهو الصحابي الجليل والقائد المغوار الذي أثبت بطولة فائقة في غزوة مؤتة وحمل الراية بعد رحيل زيد وجعفر وابن رواحة ، فكان بهذا العمل البطولي يضع قدمه على مقدمة الجيوش التي سيرسلها النبي فيما بعد لمحاربة المشركين والخصوم .

هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم وأمه لبابة بنت الحارث أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث زوجة الرسول ، وكان الوليد بن المغيرة سيدا في قريش ، معروف عنه قوته وعزمه وبسالته في الحرب، وكان من أشد المناوئين للإسلام المعادين له، وكذلك كان ابنه خالد قبل أن يدخل الإسلام في العام الثامن للهجرة ، بناء على رسالة وصلته من أخيه الذي هاجر إلى يثرب مع الرسول وصحابته، قال له فيها إن رسول الله يسأل عنه ، وأنه لمن الغريب أن شخصا برجاحة عقلك لم يؤمن بالإسلام.

وهو ما مس شيئا في نفس خالد فأسرع إلى المدينة هو وعثمان بن طلحة ، وفي الطريق وجدا عمرو بن العاص فأخبراه مقصدهما فقرر أن يهاجر معهما إلى المدينة وأن يعلن إسلامه ، وكان عمره تجاوز الأربعين عاما، وقال عمرو بن العاص ما رواه الحاكم في كتابه المستدرك قال عمرو : ” ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد أحدا من أصحابه منذ أسلمنا ” أي أنهما كانا مقربان من النبي ولهما الحظوة والشرف في أمور كثيرة .

حلم الخروج

يحكي خالد بن الوليد أنه كان يحلم بأنه في بلاد ضيقة جدبة ، فخرج إلى بلد أخضر واسع ، وعرف أنها رؤيا للقادم ، حيث كان يتشكك في الكثير من الأمور وفكر في اعتناق النصرانية أو اليهودية ، وحين روى رؤياه لأبي بكر الصديق قال له إنه ما تحقق لك من خير الخروج من عالم الكفر والدخول في الإسلام .

أثبت خالد بن الوليد بسالة وكفاءة وشجاعة نادرة في غزوة مؤتة ، حيث سير الرسول جيشا للانتقام لما حدث للصحابي الحارث بن عمير الأزدي الذي أرسله يدعو هرقل للإسلام فأنهى الروم حياته، وكان الجيش الذي أعده الرسول مكونا من ثلاثة آلاف جندي يرأسهم زيد بن حارثة ومن بعده جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة.

وحين أصيب الثلاثة حمل الراية خالد بن الوليد وتمكن من المناورة حيث كان عدد الروم يفوق كثيرا عدد المسلمين ، واستطاع أن يخرج بجيش المسلمين بأقل الخسائر، وقال خالد عن هذا اليوم ، ” قد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، فما بقي معي إلا صفيحة يمانية ” – رواه البخاري ، ويدلل الكثيرون بهذا الموقف على قوة خالد وجسامته.حتى أن البعض كانوا يخلطون بينه وبين عمر بن الخطاب.

وعن هذا اليوم ، يوم مؤتة ، قال رسول الله وهو يحكي لأصحابه عن المعركة كما ورد في مسند أحمد ” ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله ففتح الله عليهم ” ومن هنا جاء لقب خالد بن الوليد بسيف الله المسلول .

واقعة مالك بن نويرة

ولا شك أن هذه الروايات الواردة في كتب التراث يمكن أن تكون تحاملت على خالد بن الوليد من المتشيعين للإمام علي رضي الله عنه، خاصة أن عمرو بن العاص صديق خالد المقرب كان ذراع معاوية بن أبي سفيان اليمنى في حربه ضد الخليفة الرابع علي بن أبي طالب ، وكان عبد الرحمن بن خالد بن الوليد من المؤيدين لمعاوية .

كانت الطامة الكبرى التي تناقلتها كتب التراث تكمن في حادث التخلص من مالك بن نويرة في حروب الردة ، بعد ان منع الزكاة ورفض تأديتها للخليفة أبي بكر الصديق ، فأرسل إليه أبو بكر خالدا على رأس جيش، وبالفعل نال منه جند خالد ، وقيل إن مالك استعطفه وأكد له أنه ليس مرتدا وقال له أترديني وأنا مسلم أؤدي الصلاة قال له خالد لو كنت مسلما لما منعت الزكاة ، وتزوج خالد من ليلى بنت سنان زوجة مالك بن نويرة، وقد تواترت كتب التاريخ للطبري وابن كثير وابن الأثير على ذكر هذا الأمر.

الخلاف مع عمر بن الخطاب

لكن كان الخلاف على طريقة زواج خالد بن الوليد من أرملة مالك بن نويرة، فقد قيل إنها كانت شديدة الجمال، وأن مالكا ابن نويرة قال لها قبل رحيله أنه سيموت بسببها . وقيل إن خالد تزوجها في اليوم نفسه الذي تخلص من زوجها، لذلك ذكرت العديد من الكتب أنه قتل مالكا طمعا في زوجته ، وذهب شقيق مالك يشكو للخليفة أبي بكر الصديق ما فعله خالد مع أخيه، فعاتب أبو بكر خالدا ودفع الدية لشقيق مالك بن نويرة وطلب من خالد تطليق أو إعتاق ليلى بنت سنان ، فقد قيل إنه تزوجها ولم يتركها تكمل العدة ، وقيل إنه سباها والسبي ليس لها عدة .

في هذا الموقف احتد عمر بن الخطاب وطالب الخليفة أبا بكر بعزل خالد وعقابه ، لكن أبا بكر رفض وقال لا أبطل سيفا سله الله على المشركين . ومنذ تلك الحادثة ظلت غصة في نفس عمر مما حدث ، وحين تولى عمر بن الخطاب الخلافة كان خالد بن الوليد واليا على الشام فعزله عمر وولى مكانه أبو عبيدة بن الجراح .

كلمات النهاية

أصيب خالد بن الوليد بمرض بعد أن عزله عمر بن الخطاب، وانزوى في قرية بحمص في بلاد الشام وظل فيها حتى توفي وكان عمره 55 عاما عندما رحل في عام 21 للهجرة.

ومما ورد عنه في أسد الغابة والبداية والنهاية وصفة الصفوة لابن الجوزي وغيرها من كتب التراث المعتبرة أنه وهو على فراش الموت جاءه أبو الدرداء فأخبره خالد أن خيله وسلاحه وقف وان بيته في المدينة صدقة ، وأخذ يعدد معاركه وغزواته التي خاضها والتي تجاوزت مائة معركة وغزوة وقال لقد لقيت كذا وكذا وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح .

وها أنا اموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء .” وهو تعبير يدل على شعوره بنوع من الإهانة والمذلة لأنه كان يريد أن يرحل شهيدا في ارض المعركة ، هكذا كان يرى الصورة المثالية لرحيل الأبطال الأسطوريين .

وبالفعل حين غسلوه وجدوا جسده كله مغطى بالجروح والكدمات من حروبه ومعاركة الطويلة والكثيرة والفتوحات التي أنجرها ببراعة في عهدي الرسول وأبي بكر الصديق .وحين علم عمر بن الخطاب بوفاة خالد بن الوليد استغفر الله من أجله ودعا لها كثيرا .

Exit mobile version