قبل أن نسرد لكم تلك القصة التي ربما تكون تسمعها لأول مرة والمليئة بتفاصيل تبدو أقرب إلى الخيال ..يجب أن ننوه إلى أن تلك القصة ذكرت بالتفصيل في الفصل الخامس من كتاب البداية والنهاية للمؤرخ الكبير لابن كثير وكتب أنها جيدة الإسناد، وأردنا التنويه لما في هذه القصة من أمور عجيبة وتفاصيل غريبة قد لا يصدقها عقل أو تشير إلى معجزة من المعجزات
وقعت أحداث تلك القصة في زمن الخليفة أبي بكر الصديق وتحديدا بعد عصر الردة، وكان أبو بكر الصديق يعتزم فتح الشام والعراق ونشر الدين الإسلامي وتطبيق الجزية وكان في البداية يختار رسولا يرسله إلى ملوك الشام والعراق للتفاوض معهم
فقرر اختيار اثنين من رجاله ليذهبا إلى أعظم ملكين في ذلك الوقت ملك الغساسنة وملك الروم.
واختار أبو بكر الصديق هشام بن عاص ورجل من قريش ليذهبا كرسولين إلى الشام والعراق ومقابلة الملوك، وكانت رسالتهم تتلخص في ثلاث نقاط : أسلم تسلم ..الجزية.. أو المواجهة، فانطلقا في رحلتهما من المدينة المنورة دون أن يعرفا ما كان في انتظارهما من الحكايات الغريبة والقصص العجيبة.
وصلوا إلى الشام !
بدأت الرحلة من المدينة المنورة وحتى مدينة الغوطة في دمشق وهناك بدأوا بمقابلة ملك الغساسنة، ويدعى جبلة بن غسان قابله هشام والرجل الذي معه وبلغه رسالة أبي بكر الصديق.
ولكن لاحظ هشام بن عاصي أن الملك يرتدى ملابس سوداء تماما وليس بها أي لون آخر، فسأله هشام لماذا ترتدي هذا اللون الأسود.
فرد عليه ردا غريبا ..وبأنه قرر أن يلبس هذا اللون حتى ينتهي من لقائهم ، اعتبر هشام أن هذا الأمر إهانة له ولصديقه فشعر بالغضب وقال للملك سنأخذ منك هذا الملك وهذا القصر الذي انت فرح به وتهين فيه رسلك.
فنظر له الملك جبلة بن غسان وقال أخبرني الكهنة والعرافين أنه لن يأخذ أحد مني هذا الملك إلا قوما يصومون النهار ويفطرون بالليل.
فنظر له هشام وضحك وقال نحن من نصوم بالنهار ونفطر بالليل ، فغضب الملك جبلة وقال لهشام وصلت رسالتك فماذا تريد قال أرسل معنا جنديا من جنودك حتي يقوم بتوصيلنا إلى ملك الروم وكان في ذلك الوقت ” هرقل “.
وبالفعل أرسل معه جبلة جنديا قام بتوصيله هو والرسول الذي معه إلى القسطنطينية حيث يوجد أقوى ملوك الروم في ذلك الوقت هرقل العظيم .
لقاؤه مع هرقل
وصل هشام والرسول الذي معه والجندي الغساني إلى مدينة القسطنطينية وكان هناك هرقل العظيم جالسا وسط مجلسه الكبير ووسط حاشيته ووزرائه.
عندما رآه الجندي الغساني انحنى أمامه لكن هشام والرسول رفضوا الإنحناء وقال هشام لا إله إلا الله، فاقترب منه هرقل وسأله لماذا لم تحييني ؟
فقال له نحن لا ننحني إلا أمام الله .. فقال له هرقل إذن قم بتحيتي بالتحية الخاصة بكم
قال له هشام تحيتنا وهي السلام عليكم لا تليق بكم، فنحن نقول لا إله إلا الله والله أكبر
وما أن قال ذلك هشام حتى هبت ريح قوية نفضت المجلس نفضا، وشعر بها كل من كان موجودا فاندهش هرقل وسأل ؟
هل يحدث هذا كلما قلت تلك الكلمات ؟
قال هشام لا والله إنها المرة الأولى، وبدأ هشام يخير هرقل إما الإسلام أو الجزية أو القتال، لكن هرقل لم يبد أي رد وصمت وطلب من جنوده أن يفتحوا لهم بيتا ليرتاحوا فيه من السفر.
وأن يعودوا إلى مجلسه بعد ثلاث أيام وطلب من جنوده أن يكرموا هشام وضيفه، وبالفعل بعد ثلاث أيام عادوا إلى مجلس هرقل.
صندوق عجيب
عندما عاد هشام والرسول إلى مجلس هرقل بعد ثلاثة أيام ..وجدوا مجلس هرقل في انتظارهم، لكن لاحظوا أمام عرش هرقل صندوقا كبيرا.
كان هذا الصندوق مصنوعا من الذهب، ويحتوي على أدراج كثيرة وكل درج كان له قفل خاص به، إندهش هشام ومن معه من شكل الصندوق.
وقام هرقل ومعه مفتاح وفتح الدرج الأول دون أن ينطق بكلمة ، وأخرج منه حريرة سوداء مصنوعة من القماش وملفوفة وفتحها وكان بها رسم لأحد الأشخاص.
صور غريبة
كان الرسم لشخص منا وصفه هشام بن عاصي وتحدث عنه ابن كثير في كتبه كما ذكر هشام ضخمم العينين وضخم الجسد وله عنق قال هشام أنه لم يرى مثلها أبدا في حياته ليس له لحية لكنه له ضفيرتان آية في الجمال.
سأله هرقل أتدري من هذا يا هشام
قال هشام لا أعرفه
قال له هرقل إنه آدم عليه السلام
ثم أعاد هرقل الحريرة السوداء ووضعها في الدرج، ثم فتح الدرج الثاني وأخرج حريرة سوداء ولها خلفية بيضاء وفردها ووصفه هشام بأن تلك الحريرة كان عليها رسم لرجل أحمر العينين ضخم الهامة له لحية جميلة.
فسأله هرقل أيضا أتدري من هذا ؟
هذا نوح عليه السلام ..اندهش هشام مما يراه كيف يكون لدي هرقل مثل تلك الرسومات التي ترسم الأنبياء بالتفصيل
وجاء موعد فتح الدرج الثالث وسط دهشة هشام
وكان به حريرة عندما فردها هرقل كانت بها رسمة لرجل شديد البياض ذو جبهة عريضة ولحية بيضاء وخد طويل وملامحه تبدو وكأنه مبتسم
سأله هرقل أتعرف من هذا ؟ فأجاب هشام بالنفي
فقال له : هذا إبراهيم عليه السلام
النبي محمد
حتى جاء الدرج الرابع وفرد هرقل قماشة بيضاء تماما وما أن رآه هشام حتى دمعت عيناه، فسأله هرقل أتعرف من هذا ؟
قال نعم والله أعرفه إنه محمد رسول الله آخر الأنبياء.
وهكذا ظل هرقل يفتح الأدراج وكان منها أقمشة عليها صور ورسم لسيدنا موسى ويوسف وهارون وسليمان ويوسف وداوود عليهم السلام جميعا.
وعندما جاءت صورة إسماعيل ..ذكر هرقل أن إسماعيل عليه السلام هو جد النبي محمد صلي الله عليه وسلم
وهذا دليل على أن هرقل يعلم جيدا اسم كل نبي ونسب الأنبياء جميعا.
كيف جاء له الصندوق
وكان من الطبيعي أن يسأل هشام هرقل كيف وصل له هذا الصندوق ، فأخبره هرقل أنه في زمن سيدنا آدم طلب آدم من الله سبحانه وتعالى أن يريه كافة صور الأنبياء الذين سوف يأتون من بعده ، فأنزل الله عليه هذا الصندوق بعد أن استجاب لطلبه وظل مع آدم فترة طويلة ثم وصل إلى ذي القرنين ثم النبي دانيال واخيرا وصل إلى إمبراطورية الروم ومن يومها يتم توارثه من عائلة إلى عائلة.
اندهش هشام وتوقع أن يدخل هرقل في الإسلام لكن هرقل أخبره أنه رغم معرفته بكل ذلك لكن نفسه لا تطيب للدخول في الإسلام ..وترك ملكه وامبراطوريته ، وطلب من جنوده أن يرسلوا مع هشام هدايا كثيرة، ويبلغه سلامه للخليفة ابي بكر الصديق.
رد أبي بكر
وصل هشام إلى المدينة المنورة مرة أخرى .. وحكى لأبي بكر الصديق عن كل ما رآه وعن الصندوق العجيب، إندهش أبو بكر ولكن قال إن أراد الله أن يسلم هرقل ويصبح واحدا منا لكان حدث ولكنها مشيئة الله، ولكن رغم ذكر تلك الواقعة بالتفصيل في البداية والنهاية لإبن كثير كما ذكرنا.
تساءل الكثير من المؤرخين أين هذا الصندوق، الذي حفظ كل تلك السنوات وانتقل من جيل لجيل وقرن لقرن وتوصلوا إلى أن هذا الصندوق موجود في الفاتيكان لكن من يستطيع أن يأخذه فهو متوارث من الروم على مدار قرون ، رغم أنه يعتبر كنزا حقيقا ومعجزة ربانية مذهلة، ليبقى أمره محيرا الى يوم القيامة وواحدا من أعجب القصص التي ذكرت على مدار التاريخ.