هل تنازل الملك فاروق عن حكم مصر قبل عشر سنوات من ثورة يوليو؟.. وهل كان فاروق داعما للدول المعادية لبريطانيا؟ وماذا كانت علاقة الإنجليز بالنحاس باشا حتى يطلبوه رئيسا للوزراء بالقوة؟
«إلى الأمام يا روميل».. كلمة لم تكن هتافا عاديا في المظاهرات التي اندلعت في شوارع القاهرة ضد الإنجليز فماذا فعل الإنجليز بالملك فاروق لإجباره على تنفيذ مطلبهم الوحيد.
كانت المواجهة العالمية الثانية على الأبواب وكانت مصر تحت سيطرة بريطانيا، وفوجئ الإنجليز بأن المتظاهرين ضد وجودهم في مصر يهتفون باسم القائد العسكري الألماني الذي يتقدم في منطقة العلمين بقواته قائلين: «إلى الأمام يا روميل».
حددت بريطانيا موعد المواجهة وكان عليها أن تضمن استقرار الأمور في مصر قبل خوض المواجهة العالمية الثانية.. وخلص القادة البريطانيون في اجتماعاتهم السرية إلى أن الجبهة الداخلية المصرية لا بد أن تكون آمنة تماما من أية اضطرابات.
راهن الإنجليز على وجود مصطفى باشا النحاس في رئاسة الوزراء ضامنا لهدوء الشارع وليس لقوة العلاقة بينه وبين بريطانيا.. كان طلب الإنجليز من القصر أن يختار النحاس رئيسا للوزراء وفي كل مرة كانوا يطلبون من فاروق أن يغير الوزارة يستجيب الملك.. لكنه في ذات الوقت لم ينفذ ما يريد الإنجليز ولم يعين النحاس باشا الذي كان على خلاف معه منذ أداء الملك اليمين وإصرار النحاس على ضرورة إعمال الدستور وأدائه أمام البرلمان وليس في مراسم تتويج في حفل ديني كما أراد الملك.
مرة تلو أخرى يطلب الإنجليز من القصر أن يغير الوزارة.. وأمام مراوغة الملك فاروق نفذوا ما لم يكن في حسبان الملك.. وفي الرابع من فبراير عام ألف وتسعمائة واثنين وأربعين أنفذت بريطانيا وعيدها وحاصرت قواتها قصر عابدين.
كانت خلاصة مطلب بريطانيا أنه حال عدم تكليف النحاس باشا بتشكيل الحكومة فعلى «مولانا» أن يتحمل مسؤولية ما سيحدث.
وجد الملك فاروق نفسه مضطرا إلى إعلاء فكرة الاصطفاف الوطني واستدعى جميع الأطياف السياسية.. وتعددت الروايات بشأن حضور النحاس باشا اجتماع السياسيين مع الملك.. وكان على الجميع أن ينأوا بأنفسهم عن الخلافات السياسية أمام خطر يطال مصر.
حاول السفير البريطاني في القاهرة حينها وهو السير مايلز لامبسون إجبار الملك فاروق على التوقيع على أمر باستدعاء النحاس باشا زعيم حزب الوفد وتشكيل الحكومة.
كانت خلاصة مطلب بريطانيا من ملك مصر، أن عليه تكليف النحاس بتشكيل حكومة تحكم قبضتها على الأمور في الداخل وتضمن الولاء لمعاهدة ألف وتسعمائة وست وثلاثين التي كان النحاس يسميها «معاهدة الشرف والأمانة» رغم ما طالها من انتقادات.
بطريقة غير لائقة دخل الحاكم العسكري الإنجليزي حجرة العرش حيث يوجد الملك فاروق، ولوحت بريطانيا باستخدام القوة.. وعلى مكتب الملك كانت الصياغة الإنجليزية جاهزة للتوقيع.. لكن ما الذي كان مكتوبا في تلك الصياغة؟.
«نحن فاروق الأول ملك مصر.. تقديراً منا لمصالح بلدنا فإننا هنا نتنازل عن العرش… وعن كل الحقوق والامتيازات والصلاحيات التي كانت عندنا بحكم الجلوس على العرش، ونحن هنا أيضًا نحل رعايانا من يمين الولاء لشخصنا».
كان ذلك نص وثيقة التنازل عن العرش أمام الملك فاروق الذي كان عليه الاستجابة لتعليمات الإنجليز أو التوقيع على ورقة تنهي وجوده في قصر عابدين.
توجه السفير البريطاني إلى مكتب الملك ومعه الجنرال ستون قائد القوات الإنجليزية وقدما الوثيقة إلى الملك.. اجتمع الملك بالأحزاب بحضور النحاس باشا وحينما دخل النحاس على الملك سأله فاروق:
هل شاهدت الآليات العسكرية التي تحاصر القصر؟
رد النحاس: الدنيا كانت مظلمة يا مولانا.
وتم تشكيل الوزارة برئاسة النحاس باشا.. ورغم رفض النحاس الإنذار البريطاني الموجه إلى الملك إلا أن خصوم النحاس اتخذوها فرصة واتهموه بأنه أتى بأوامر إنجليزية.
انتهت المواجهة العالمية الثانية.. وأراد الملك أن يجس نبض الإنجليز بشأن نيته في تغيير الوزارة وكانت بريطانيا وقتها حققت هدفها من تولية النحاس باشا في مرحلة معينة ضمنت بها هدوء الشارع المصري من المظاهرات.
كان فاروق يتمشى في حديقة القصر مع السفير الإنجليزي بعد انتهاء مواجهة بريطانيا وخصومها وأبدى الملك رغبته في تغيير الوزارة والإطاحة بالنحاس..
وحينها ردَّ السفير الإنجليزي على فاروق قائلا: «يا مولانا هذا شأن داخلي مصري!!!!!».