إرتبط قصر خداوج العمياء بحكاية المرأة الجميلة التي أهداها والدها قصرا بكل لواحقه، فأصبح القصر أسطورة و جمال خداوج أسطورة أخرى، قصر خداوج العمياء المحاط بهالة من الأقاصيص والأساطير.
رغم مرور خمسة قرون طويلة على بنائه أول مرة من قبل البحار التركي الشهير “خير الدين بربروس” إلاّ أنّ أعمدته وأقواسه وفوانيسه لا تزال متشامخة كالطود العتيق على هامة مدينة الجزائر، فما هي حكاية هذا القصر، سأحكي لكم في التالي:
خداوج العمياء فتاة جزائرية و هي بنت حسن الخزناجي ، وهو وزير مالية الداي محمد بن عثمان ما بين العام 1766 ميلاديًا والعام 1791 ميلاديًا ، وكانت خداوج العمياء واحدة من جميلات مدينة القصبة ، وكانت بطلة أسطورة التي ظلت محفورة في رأس كل بنات وولاد المدينة من القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا، وخدَاوج” هو اسم “الدلع” في الدارجة الجزائرية لاسم “خديجة”، ويقال أيضا “خَدُّوجَة”.
كان الخزناجي حسن بنتان وهما “خداوج” و “عزيزة” ؛ ونظرًا لخدمات الخزناجي حسن أعطاه الداي محمد بن عثمان مكافئة في سنة 1789 ميلاديًا ، والتي هي دار يحي رايس والتي كانت من قبل زاوية سيدي محمد بن عبد الله ، التي راح أهداها خداوج بعد ذلك وهذا بعد إصابتها بالعمى.
وتقول الاسطورة أنّ الأميرة “خداوج” كانت فتاة باهرة الجمال والحسن، وفقدت بصرها لإفراطها في استعمال الكحل، وكانت معجبة كثيرا بنفسها، لذا أنفقت الساعات الطوال تتملى جمالات وجهها في المرآة حتى أصيبت بالعمى.
وتقول حكاية أخري، أن عند عودته من إحدى سفرياته، أحضر الوالد هدية لابنته “خداوج”، وكانت عبارة عن مرآة ثمينة من زجاج يشبه في لمعانه الألماس بزخرفات منقوشة على حواشيها، لتصبح صديقتها المفضلة.
وأصبحت “خداوج” كثيرة النظر في المرآة، بعد أن صار جمالها يزداد يوما بعد يوم، وكانت كثيرة التسريح لشعرها وكثيرة التغيير لملابسها حتى شهقت مرة من فرط جمالها وهي تنظر في المرآة فأصيبت بالعمى.
لكن خداوج العمياء لم تسكن هذا الدر وفضلت أن تسكن مع أختها فاطمة ، ويقال أن ملكية هذا الدار انتقلت بعد وفاتها بعقدين إلى تاجر يهودي يعرف باسم يعقوب البكري.
وقصر خداوج العمياء هو أحد الروائع المعمارية العثمانية في الجزائر ، وهو قصر فخم أخفى بين جدرانه قصصًا كثيرة ، وتروي تاريخ بنائه وسير الذين سكنوه ، حتى تحول ليصبح مقرًا لأول بلدية فرنسية في العاصمة الجزائرية عام 1830 ميلاديًا ، حيث تحول إلى متحف للفنون الشعبية ، حيث يحوي حاليًا تحفًا وأثاثًا وصناعات تقليدية منها الجلدية والفضية والتي تمثل عادات وتقاليد مختلف أنحاء الوطن .
ولأنّ القصر درة حية تخلب العقول، ووهج متأجج يأسر العيون في الجزائر، فقد اختاره ملك فرنسا “نابليون الثالث” وزوجته “أوجيني” اعتبارا من عام 1860، مقاما لهما، بين مئات القصور التي كانت تعج بها القصبة خلال القرن التاسع عشر
ويوجد بالمتحف قسمان قسم مخصص للأبحاث والحفظ والصيانة ، حيث يتم من خلاله حفظ التحف من العوامل الطبيعية والرطوبة والحرارة وغيرها ، وقسمٌ آخر مخصص للنشاطات الترفيهية وتنظيم الزيارات .
وتبقى أبواب المتحف وجهة مفتوحة لجمع واستقبال التحف لحفظ الموروث التقليدي الشعبي الجزائري.