باعوا ضمائرهم سعيا وراء حفنة من الدنانير أو طمعا في جاه وتقرب إلى السلاطين فحرفوا في كتاب الله آيات كاملة وتاجروا بما حلَّ بالمسلمين من مصائب.. وتباينت ردود أفعال الحكام بشأنهم ما بين مزهو بما قالوه باطلا وبين صاحب عزة وكرامة أبى إلا الانتصار للدين ولو على حساب نفسه.. فماذا فعل هؤلاء المنافقون وكيف باعوا وتاجروا في كل شيء لمصلحتهم الشخصية؟
تصدى الإسلام بكل ما أوتي من قوة لتلك الصفة غير الأخلاقية التي طالما هوت بأصحابها إلى مصير صعب.. إنهم المنافقون في كل عصر وزمان وقد تناولهم القرآن الكريم بما يستحقون.
كان كبيرهم رأس النفاق عبد الله بن أُبي ابن سلول، الذي قال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذلّ، وكان خطرهم أنهم يظهرون ما لا يبطنون.. حتى أن الوحي الشريف جاء إلى الرسول الكريم – عليه الصلاة والسلام – يصفهم ويحذره منهم.
ادعاءات بعيدة عن الواقع
واقترن النفاق في كثير من الأحيان بالمدح وسرد ادعاءات لا وجود لها على أرض الواقع في حق الحكام والأمراء والسلاطين وما أراد الشعراء من ذلك إلا جني الأموال والذهب وكسب رضا الأمراء.. وهو الأمر الذي تصدى له الإسلام وكان الصحابة دائما ينصحون الناس بأن يحثوا في وجوه المداحين التراب عملا بالهدي النبوي الكريم.
ولم يتوقف ظهور المنافقين على عهد المسلمين الأوائل فقد ظل المنافقون يحملون ذات المنهج ويعملون بنفس الطريقة وبذات الحيل .. في كل زمان ومكان وكان من بينهم ذلك الشاعر الذي استغل الزلزال متاجرا بأزمة إنسانية ولم يرع فزع الناس وخوفهم.
زعيم منابر النفاق
أنه محمد بن عاصم الذي اعتلى منابر المدح والتملق للحكام وحينما تعرضت مصر في ذلك العهد إلى زلزال شديد الأثر عاني الناس الخوف من ذلك ولم تكن في العالم حينئذ مراكز للرصد الزلزالي أو دوائر أبحاث تحلل طبيعة وأسباب الزلازل.
وبرغم حالة الخوف التي ألمت بالناس كان لمحمد بن عاصم رأي آخر حيث استثمر المناسبة لصالحه ودخل على كافور الإخشيدي يختار له الكلام المنمق والأسلوب البديع ويقول له:
ما زُلزلت مِصرُ من كَيدٍ ألمَّ بها……. بل إنها رقصت من عَدلِكم طَرَبا.
رجال مدرسة المنافقين
تصدر مدرسة المنافقين أيضا، ابن هانئ الأندلسي، المتوفَّى العام 973م، ذلك الشاعر الذي مدح الخليفة الفاطمي، المعز لدين الله، بأوصاف منافية للدين والعقيدة ولم يتورع أن يضفي على الخليفة عبارات ربما تختبر إيمان الرجل قبل شهرته فوقف أمامه يقول:
ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ
فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
وكأنما أنتَ النبيُ محمدٌ.
وكأنما أنصارُك الأنصارُ
لم يتورع الشاعر أن يشبه ممدوحه بأعظم إنسان على وجه الأرض دون أن يدري أن إغراء السلطة حجب بصيرته عن رؤية الصواب. وكان أولى به أن يراجع كلامه قبل أن يتفوه به ويضع نفسه في موقف صعب.
المنافقون بلا عهود
وعرف عن الشعراء المداحين عدم وفائهم بعهد من مدحوهم ومنهم البحتري – مثالا – والذي انقلب على أربعين شخصية من الشخصيات التي سبق وأن كال لهم المديح.
حتى العصر الحديث لم تسلم مسامع الناس من أقوال المنافقين فقد سبق أن قال أحد الخطباء للملك فؤاد «ما عبس ولا تولى لما جاءه الأعمى» وهو ما استدعى أحد العلماء أن يأمر الناس بإعادة صلاة الظهر لأن الخطيب خرج عن الدين!!!