الحقيقة الغائبة عن هارون الرشيدي وهل كان غارق في شهواته؟

كان يحج عامًا ويغزو عامًا، قيل عنه زير نساء ومحبًا للهو وغارق في شهواته، تجادل الكثيرون حول حقيقة شخصيته فمن هو الخليفة العباسي هارون الرشيد؟

حين نتحدث عن العصر العباسي، فأن أول شخص يأتي إلى أذهاننا الخليفة هارون الرشيد، الذي حظى بشهرة واسعة، فقد قيل أنه لم يأتي خليفة بعد الخلفاء الراشدين وحظى بتلك الشهرة الواسعة مثله، غير أن تلك الشهرة امتزجت فيها الأقاويل بين خليفة حكيم متدين وأخرى أقرب للعبث واللهو فما حقيقة هارون الرشيد؟

ولد هارون الرشيد عام 763 م في مدينة الري ونشأ فى دار الخلافة فى مدينة بغداد، وهو ابن الخليفة محمد المهدي من زوجته الخيزران بنت عطاء، و ُأعد هارون الرشيد من صغره ليتولى المناصب القيادية في الخلافة، حيث عهد به أبوه إلى من يقوم على أمره تهذيبًا وتعليمًا وتثقيفًا على يد كبار العلماء والأئمة، حتى اشتد عوده، ليلقي به والده في ميادين الجهاد ليخرج على رأس حملة عسكرية ضد الروم وهو في سن الـثامنة عشر، ليعود منتصرًا ويكافئه والده بتولي خلافة الدولة العباسية بعد وفاة أخيه موسى الهادي، وكان عمره آنذاك 22 عامًا ليكون خامس خلفية عباسي.

وحين نتحدث عن فترة حكمه التي امتدت بين عامي 786 و 809م،، فبمجرد مبايعة هارون الرشيد كانت الدولة العباسية مترامية الأطراف تمتد من وسط أسيا حتى المحيط الأطلنطي، معرضة لظهور الفتن والثورات، إلا أنه نهض بها حتى بلغت الخلافة الإسلامية أوجها ومكانتها المهمة، حيث دخلت الدولة العباسية عصرا جديدا شهد الكثير من الإنجازات واتسعت فيه رقعة الخلافة الإسلامية حتى وصلت مشارق الأرض ومغاربها، كما ازدهرت النشاطات الثقافية والإسلامية، ليطلق على عصره “العصر الإسلامي الذهبي”.

ولكن كثيرا ما أثار هارون الرشيد جدلا حول شخصيته بين مؤيدًا ومعارضًا لها، فبين نظرة تراه خليفة عادلا حقق الأمن، وأصلح شؤون الرعية، وبسط العدل، وأخاف أعداء الدولة، وبين نظرة أخرى تراه زير نساء، محب للهو، غارق في شهواته، منتقم من خصومه، إلا أن المؤرخين أكدوا على أن ماذكر عنه من اللهو والنساء والجواري ومجالس الأنس والسمر بعيدة كل البعد عن هارون الرشيد، كما أنهم أجمعوا على أنه كان أعظم خلفاء بني العباس شأنا وذكاء وعبادة وقيادة وكان شديد التقوى والخوف من الله ، حتى أنه في عهده شهدت بغداد انتشار عددا كبيرا من الكتاتيب التي كان يتعلم فيها الصبيان، فضلا عن انتشار حلقات الوعظ والإرشاد ومجالس العلم.

حتى قال فيه الطبري وابن خلدون والعماد الحنبلي وغيرهم إن هارون “كان يصلّي في كلّ يوم مئة ركعة نافلة، وكان يغزو عاما ويحجّ عاما”. ومهما يكن من سيرة الخليفة هارون الرشيد فإن شخصيته ستظل موضع نزاع بين مؤيديه ومعارضيه.

Exit mobile version