هل تعلم أن بعضا من فقهاء المسلمين كانوا يحبون الموسيقى ويطربون لسماعها بل ومنهم من جعل بغلته تتراقص عليها أنغامها من قبل؟ أم هل علمت أن الإمام مالكًا كان يضرب بالدف أمام جمع من فقهاء المسلمين، ولم يعترض أحد عليه، بل طَرِبوا لسماعه وأثنوا عليه. الأمر يبدو غريبا بعض الشيء، وقد تبدو المعلومات الواردة غير مألوفة.. تابع معنا لتعرف المزيد
يورد الإمام الحافظ ابن حجر كتابه الدرر الكامنة: أن ابْنُ كُر الحنبلي وهو فقيه مشهور ومحدث في عصره، كان يركب بغلته ومر على قوم يغنون.
وإذ بالفقيه يفعل ما لا يخطر على بال أحد، قام الفقيه بتحريك بغلته بإيقاع يناسب الغناء الذي يغنيه الناس في الطريق.
لم يكن هذا الموقف عارضا أو فريدا من نوعه في التاريخ الإسلامي، بل قد تكرر في كثير من المرات وعلى مر من العصور لدرجة لا يمكن معه تجاهلها.
فالتاريخ الثقافي والاجتماعي لفقهاء المسلمين يحتوي على جوانب مجهولة أو مغيبة سرية لا نعلم عنها شيئا، فمثلا، أورد كتاب المُستدرَك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، أنه وفي أحد الأعراس دخل واحد من الصحابة على صحابيين اثنين في عُرس ووجد بجانبهم جوار يُغنّين، فأنكر عليهم وقال أنتم أصحابُ رسول الله وأهلُ بدر! كيف يفعل هذا عندكم؟! فقالا له: إن شئتَ فأقم معنا وإن شئتَ فاذهب.
ومن المعروف أن صناعة الغناء انتشرت في المدينة المنورة حتى تعلمها كثير من شباب مجتمعها، ومن هؤلاء الشباب الإمام مالك بن أنس.
ويقول القرطبيّ في كتاب “الجامع لأحكام القرآن”: مالك كان عالما بالصناعة يعني الموسيقى على الرغم من أنه كان يحرمها.
ومن القصص التي تصف ممارسة مالك للموسيقى، حينما سأل الخليفة هارون الرشيد الإمام المحدِّث “الموسيقي” إبراهيم الزهري عن مالك قائلا: هل بلغك عن مالك بن أنس في الغناء شيء؟، قال: لا والله، إلا أن أبي أخبرني أنهم اجتمعوا في وليمة، حضرها أكابر العلماء ومالك حينها كان أقلهم في فقهه وقدْره.
وكان معهم دفوف ومعازف وعيدان يغنّون ويلعبون، ومع مالك دف مربع يغنيهم أبياتا شعرية. كما أن تلامذة الإمام مالك أيضا كانوا في صدارة المحدثين والفقهاء، وتعلموا صناعة الموسيقى حتى فاقوا المتخصصين فيها عبر القرون.
ومن هؤلاء التلامذة الموسيقيين: مفتي المدينة المنورة عبد الملك بن عبد العزيز المالكي والذي كان فقيها فصيحا، واستمر في الإفتاء إلى وفاته.
تواصلت ظاهرة الفقهاء الموسيقيين حتى بدايات العصر الحديث، ومن الفقهاء الموسيقيين الذين ذكرهم الجبرتي الفقيه الشافعي ابن شاهين الأزهري واصفا إياه بأنه إمام فقيه علامة ورع وزاهد، ويعرف أصول الموسيقي.
وفي النهاية، برأيكم هل اختفت ظاهرة العلماء الملمين بعلوم الموسيقى في عصرنا الحالي؟