هو ذلك الشاب الصغير المُترف الذي لطالما رأه شعبه في صورة الرجل المستهتر، يبدد أموالهم ويدخلهم في معارك وهمية لا حكم له عليها، إلا أنه كان يُخبيء إنسانيته خلف تلك الملامح والتصرفات الصبيانية، فكما ذكر التاريخ فشله في إدارة البلاد، لم ينسى أيضًا أن يسطر بعض من إنسانيته مع شعبه وأبرزهم تلك السيدة الريفية أو كما لٌقبت بسيدة “القُفة”، لكن من هي وما قصتها، هذا ما سنرويه في التالي:
سكرتير الملك فاروق الدكتور حسين حسني باشا روى عنه الكثير من المواقف، كان أبرزها ما وقع عشية أحد الأيام حينما كان الملك في طريقه إلى تفتيش أنشاص بسيارته الخاصة والغير ملعومة للعامة.
وقد ركب الملك بجوار سائقه، وأثناء سيرهما بالطريق استوقفته سيدة ريفية حملت طفلها على كتفها، وتضع “قفة” على رأسها ، فأشارت له سيدة بأن يقف ظنًا منها بأنها سيارة أجرة لنقل الركاب بين القرى والأرياف.
وبحسب رواية حسني باشا، فقد أمر الملك سائقه بأن يقف، وسألها عن ماذا تريد؟.
فأخبرته حينها بأنها تريد الذهاب إلى أنشاص لكنها لا تملك من الأموال سوى “3 تعريفة”، وطلبت منه أن يأخذهم ويقلها إلى حيث تريد.
ابتسم الملك وأمر سائقه بأن يركب في الخلف، بينما تقمص هو دوره وركبت السيدة إلى جواره.
وانطلقت السيارة إلى أنشاص، وبينما هما في الطريق، عرف الملك من السيدة أنها متعثرة في دفع ديون عليها، وذهبت إلى أنشاص لتتحدث مع ناظر التفتيش ليؤجل لها بيع جاموسًا محجوز عليها.
بعد أن تأخرت في دفع إيجار فدان تؤجره، وتعطيه جنيها على الحساب لحين دفع ديونها.
أشفق الملك على المرأة، ثم كتب لها بعض الكلمات على ورقة، وطلب منها أن تصلها إلى ناظر المزرعة الذي سيقوم بدوره بالتخلي عن كل الأموال المتأخرة.
لم تصدق السيدة ما يقوله ذلك الرجل الذي تجهل هويته تمامًا، بحسب سكرتير الملك.
لكن في نهاية الأمر أخذتها، وأخبرته أنها حاولت أن تجعله يميل عن رأيه عبر تدخل العديد من الشخصيات، لكنها لم يقبل أبدًا.
فابتسم الملك وأكد لها أن تلك المرة سيكون كل شيء مختلف، وستسير الأمور كما تريد.
وقبل أن تترك السيارة وضع الملك في يدها 10 جنيهات، فصُدمت السيدة من ذاك المبلغ الذي كان يعد حينها ثروة ضخمة.
وقالت له بسخرية: ” ياابني ماانت غني، أهو أومال شغال سواق ليه؟”، ليجيبها فاروق : “قسمتي كده”.
وينتهي الموقف، لكن لم تنتهي مواقف فاروق الإنسانية بحسب سكرتيره أيضًا، فقد اعتاد أن يصحبه إلى منطقتي السيدة عائشة والحلمية ويطرقان أي باب ويتعرفوا على أهل المنزل.
ثم يدعوهم سكرتير الملك لاحتساء الشاي في مكتبه، والسماع إلى مشاكلهم.
وفي اليوم التالي يأتي الملك ويحلها، حتى وإن كان أحدهم يبحث عن عمل، فيوظفه الملك، وكل ذلك بحسب روايات سكرتيره الخاص
ولم تكن تلك سوى مجرد روايات تُحكى من أرشيف الملك، فربما لم يكن فارق بكل ذلك الكم من الاستهتار والفشل الإداري، وكان بداخله بعضًا أو كثيرًا من الإنسانية.