تحفل حياة الرئيس الراحل محمد حسني مبارك بالعديد من المواقف، التي جمعته بالكثير من المسئولين داخل بلاط الرئاسة والشخصيات العامة، ومن أبرز هذه الأحداث كانت المواقف التي جمعته بأيقونة الصحافة المصرية والعربية محمد حسنين هيكل، والذي كان أولها في بداية فترة حكم الثلاثين عامًا، فما هي قصة حوار مقال بصراحة؟ ولماذا لم يقرأه الرئيس مبارك؟
حكاية الموقف الأول بينهما
التقى الرئيس مبارك بعد تنصيبه رسميًا رئيسًا لجمهورية مصر العربية في عام 1981كثيرًا بأيقونة الصحافة المصرية محمد حسنين هيكل، حيث جمعتهما الأحداث السياسية والمؤتمرات الصحفية داخل أروقة قصر الجمهوري طوال ثلاثين عامًا ظل فيها الرئيس مبارك على سُدة الحكم.
وترجع حكاية الموقف الأول في رئاسة مبارك بعدما تم الإفراج عن هيكل، حيث كان معتقلًا بأمر من الرئيس السادات، في إطار موجة الاعتقالات الكبيرة التي عُرفت باعتقالات سبتمبر، وهنا فاتح الرئيس مبارك هيكل في موضوع شائك يشغل الرئيس، أملًا ألا تُغضب كلماته أيقونة الصحافة المصرية.
حيث أكد له الرئيس مبارك أنه على الرغم من أن مقالاته كانت تنال إعجاب الكثير وقتها إلا أنه لم يكن يقرؤها، وعندما كان مديرًا للكلية الجوية فإنه كان يمنع ضباط الطيران من قراءتها.
لماذا تعجب هيكل من الرئيس مبارك
تعجب هيكل مبتسمًا مما يسمعه من رئيس الجمهورية الجديد وقتها، وحاول استيضاح الأمر منه ليعرف لماذا لم تكن مقالاته تروق له، هنا استطرد الرئيس مبارك وتحدث بكل شفافية عن مقال “بصراحة” الذي ينشر الجمعة من كل أسبوع في جريدة الأهرام، وقال إن يوم السبت يكون يومًا مليئًا بالمناقشات والحوارات، حيث يأتي الضباط متحفزين لذلك، ومدير الكلية الجوية وقتها بالطبع لا يريد أن يتطرق ضباطه إلى السياسة.
وعلى ما يبدو أن وجهة نظر الرئيس مبارك عن ضباط الطيران قد أقنعت هيكل، لكن بدهائه الصحفي المعهود تساءلت نظراته عن سبب عزوف الرئيس نفسه عن تلك المقالات، ضحك حينها الرئيس مبارك وأدرك ما يدور بخلد الصحفي الداهية، وأقر للمرة الثانية بصراحته المعهودة أنه لم يكن يقرأ تلك المقالات لأن هيكل لا يضع ما يريد أن يقول في نهاية المقال، ودائمًا ما كان المقال ينتهي دون أن “يرسى القارئ على بر”.
ما الفائدة إذن أن يقرأ الناس لكاتب كبير؟!
لم يفوت هيكل الفرصة في الرد على الرئيس واستغل ذلك اللقاء الودي ليصحح المفاهيم المغلوطة في نظره، فقال إن واجب الكاتب أن يعرض معلومات صحيحة، واجتهادات في التحليل واسعة، واختيارات في المسالك المتاحة للحل مفتوحة، ثم يكون للقارئ أن يختار ما يقنعه.
حيث كان هيكل يفضّل أن يترك للقارئ حريته، بمعنى أن تبدأ علاقته بالمقال بعد أن ينتهي من قراءته، وليس حين يهم بقراءته، لأن هدفه كان تحريض القارئ على التفكير وهو يقرأ، ورجائه أن يصل بتفكيره إلى حيث يقتنع.
لكن الرئيس مبارك باغته في نهاية اللقاء قائلًا “يا عم” ما الفائدة إذن أن يقرأ الناس لكاتب كبير؟!، لابد أن “يرسيهم على بر”، لكن هيكل أراد أن يرسو القارئ على بره، وليس بر الكاتب، قبل أن يباغته الرئيس مجددًا بابتسامته قائلًا الأفضل أن تُريح عقولهم بدل من التعب.
وبعد هذه المناقشة بين سياسي وصحفي.. في رأيك من كانت وجهة نظره أكثر صحة؟